ستستلم وزيرة الثقافة الفرنسية السابقة أودري أزولاي مهامها على رأس منظمة اليونسكو يوم الخامس عشر من شهر نوفمبر المقبل. ومن الطبيعي جداً أن يتساءل المهتمون بشأن التعاون الدولي في مجال التربية والعلوم والثقافة عن أولويات مديرة المنظمة الدولية العامة المقبلة في ما يخص أنشطة هذه المنظمة وأولويتها. والحقيقة أن من يعود إلى ملفات الشخصيات التي ترشحت للتنافس على منصب مدير عام اليونسكو هذا العام بإمكانه الاطلاع على رؤية كل مرشح بشأن أداء المنظمة الدولية. ويمكن تلخيص المحاور الأساسية في رؤية أدوري أزولاي في أربعة، وهي تعزيز منظومة التعليم في المرحلة الثانوية لاسيما في القارة الأفريقية والتصدي ل «الأمية الرقمية"، والحفاظ على التراث الثقافي المهدد جراء الحروب والنزاعات، وجعل منظمة اليونسكو أداة فاعلة من أدوات التنمية المستدامة. وتقول أودري أزولاي في مستهل برنامجها الإستراتيجي الخاص بالتحديات المطروحة أمام منظمة اليونسكو: "في الوقت الذي نشهد فيه عودة أشكال من التصعيد كنا نظن أنها هدأت وتراجع الحريات الأساسية واضطرار السكان المُرْغَمَ على الهرب بشكل مكثف من الخصاصة والعنف، وفي الوقت الذي أصبحت فيه المطالب المتعلقة بالهوية والدين تغذي الفتن على الصعيدين الوطني والعالمي، وفي الوقت الذي تتجسد فيه المخاطر المحدقة بالبيئة، تبدو مهمة اليونسكو أكثر أهمية من أي وقت مضى". أما بشأن تعزيز المنظومة للتربية كأولوية، فإن أودري أزولاي تقدر الجهود التي بذلت في هذا المجال في العالم ولكنها ترى أن خطوات كثيرة لا بد أن تقطع في القارة الأفريقية. ومن يلقي نظرة فاحصة على بعض التقارير والدراسات التي وضعت بخصوص وضع التعليم الابتدائي والثانوي والجامعي في القارة السمراء يهتدي إلى أهمية جعل هذه القارة في مقدمة اهتمامات كل الذين ترشحوا لإدارة اليونسكو. فهذه التقارير والدراسات تخلص مثلاً إلى أن الفترة الممتدة من عام 1999 إلى عام 2008 شهدت ارتفاع عدد المسجلين في المدراس الابتدائية في القارة الأفريقية بنسبة 77 في المئة. ولكن التقارير والدراسات ذاتها تخلص إلى أن نسبة الأمية لدى الراشدين قد ارتفعت بينما تراجعت نسبة المتعلمات في المدارس الثانوية وظلت نسبة المسجلين في الجامعات بين المتعلمين في القارة الأفريقية خلال عام 2008 لا تتجاوز 6 في المئة مقابل 26 في المئة على المستوى العالمي. "تعليم المرأة" وترى أودري أزولاي أن تعزيز دور منظمة اليونسكو في مجال تربية البنات ضرورة قصوى لأن التعليم يسمح للمرأة بالانخراط بشكل أفضل في معترك الحياة المهنية وبالتالي في الحصول على استقلالية اقتصادية تساعد على تعزيز حقوق المرأة وتنشيط الدورة الاقتصادية. وهي تشدد في الوقت ذاته على دور منظمة اليونسكو في مساعدة البلدان النامية ولاسيما البلدان الفقيرة على كسب رهان المعرفة الرقمية التي أصبحت عصب العملية التربوية عبر مختلف مراحل التعليم بل عبر مختلف مراحل الحياة انطلاقاً من أن الأمية الجديدة هي أمية رقمية وأن تَلقّي المعرفة يتجاوز كثيراً حدود المدرسة بمفهومها الكلاسيكي. وأما في ما يخص عمل منظمة اليونسكو في المجال الثقافي، فترى أن التعددية الثقافية هي أداة جوهرية لتعزيز ثقافة الانفتاح على الآخر وأن الحفاظ على التراث العالمي المادي وغير المادي أمر أساسي لأن هذا التراث هو " ذاكرة الشعوب". وفي هذا السياق تلح على ضرورة إرساء شراكات للحفاظ على التراث الثقافي المهدد بالحروب والنزاعات. ومن الشراكات التي ترغب مديرة اليونسكو المقبلة في تعزيزها تلك التي تقوم بين المنظمة الدولية ومؤسسة "التحالف الدولي لحماية الموروث الثقافي في مناطق النزاع". "التغيرات المناخية" وفي الرؤية الإستراتيجية ركزت أودري أزولاي على رغبتها في جعل اليونسكو أداة فاعلة من أدوات التنمية المستدامة لاسيما عبر تبادل المعارف والمهارات والتجارب بشأن التحديات المطروحة في مجال التنمية المستدامة وبخاصة في ما يتعلق بسبل مواجهة التغيرات المناخية. والواقع أن كل المؤتمرات الدولية حول الموضوع تخلص إلى أهمية تقاسم المعلومة العلمية للتكيف مع انعكاسات الظواهر المناخية القصوى وتلح على دور المنظمات الدولية المختصة في تعزيز هذا التوجه ومنها مثلاً منظمة اليونسكو ومنظمة الصحة العالمية وبرنامج الأممالمتحدة للبيئة. ويقول الخبراء المهتمون بشؤون التنمية المستدامة: إن قدرة أودري أزولاي على النجاح أو الفشل في تعزيز دور منظمة اليونسكو وتطوير أدائها مرتبط إلى حد كبير بقدرتها على الحصول على موارد مالية كافية لمساعدة البلدان النامية ولاسيما الفقيرة على الاستثمار في الموارد البشرية لكسب تحديات التنمية المستدامة وعلى إقناع البلدان الصناعية الكبرى بتقاسم المعارف التي لديها لمواجهة هذه التحديات.