تتسبب الاضطرابات النفسية -التي قدرت عالمياً بنسبة 13 %- بتأثيرات جسيمة على الصحة والتي تعرفها منظمة الصحة العالمية بأنها حالة من اكتمال السلامة بدنياً وعقلياً واجتماعياً، لا مجرّد انعدام المرض أو العجز. ولأهمية الصحة النفسية وانعكاس تأثيرها الاجتماعي والاقتصادي وعلاقة الاضطرابات النفسية بانتهاكات حقوق الإنسان اختارت منظمة الصحة العالمية "الاكتئاب" ليكون موضوع هذا العام 2017، ونشرت على موقعها الرسمي العديد من المعلومات التي توضح ماهية وتأثير هذه المشكلة، تحت عنوان "دعونا نتحدّث عن الاكتئاب". أشارت المنظمة إلى أن الاكتئاب من المشاكل النفسية الخطيرة، إذ إنه قد يُصيب جميع الفئات العمرية، ويؤثر بقدر كبير على تمكنهم من إنجاز حتى الأشياء البسيطة اليومية في حياتهم، وفي حالات أخرى قد ينتهي بالشخص إلى مصير خطير قد يكون الانتحار الذي هو الآن السبب الرئيسي الثاني للوفاة بالعالم بين الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عاماً، أو التوجه إلى الجريمة. يؤثر الاكتئاب على أكثر من 450 مليون شخص في العالم ومن جميع الأعمار، ونسبة إصابة النساء بالاكتئاب أكبر مقارنة بالرجال. عادة ما يخلط بين تشخيص الاكتئاب كمسمى مع مشكلة الإحباط الذي يتسبب الأخير في تقلبات مزاجية وانفعالات عاطفية تأثراً بالأحداث المحيطة وتنتهي بانتهاء المسبب. بينما الاكتئاب يتميز بأعراض طويلة المدى قد ترتبط أو لا ترتبط بوجود مسبب واضح وتظهر أعراضه بشكل جلي من حزن وفقدان الاستمتاع بالمباهج التي كانت تبهج الشخص سابقاً، والإحساس الدائم بالتعب والإرهاق وتأثر الشهية والنوم زيادة أو نقصاناً، والإحساس بالذنب وضعف تقدير الذات، وتشتت التركيز والميل للانطواء والعزلة والتفكير الدائم بالموت، جميع ذلك ينعكس على صحة المصاب عقلياً، وتظهر بآثار جسدية واجتماعية مثل التغيب عن الدراسة أو العمل والتردي في أداء العمل والمشاكل الأسرية وسهولة التغرير بهم لضمهم للجماعات الإرهابية ودفعهم لإيذاء الآخرين أو للانتحار. تزداد نسبة إصابة الفرد بالاكتئاب عند الفقر والبطالة، أو عند التفاعل مع مجريات الحياة السلبية مثل وفاة أحد الأحباب أو انتهاء علاقة عاطفية أو شخصية أو الفصل من العمل، ويرتبط الاكتئاب كمسبب أو كنتيجة لمعاقرة الكحول والمخدرات والإدمان عليها. وعلى الرغم من وجود طرق علاج معروفة وفعالة لعلاج الاكتئاب، إلا أن أقل من نصف عدد المتضررين في العالم (أقل من 10 % بحسب تقارير منظمة الصحة العالمية) يتلقون العلاجات المخصصة للاكتئاب، وتشمل العوائق التي تقف حائلاً أمام الحصول على الرعاية النفسية الفعالة نقص الموارد المالية والبشرية المتخصصة، وعدم كفاية مقدمي الرعاية الصحية المدربين، والوصمة الاجتماعية المرتبطة بالاضطرابات النفسية، وهناك عائق آخر يقف أمام تقديم الرعاية الفعالة يتمثل في التشخيص الخاطئ للمشكلة أو ضعف تقدير أهمية تأثير الاكتئاب على الصحة العقلية والجسدية. من الممكن الوقاية من الاكتئاب، كما أنه من الممكن علاجه أيضاً، بتفهم هذه المشكلة النفسية بأنها ليست ضعفاً، ومعرفة الأسباب التي كانت وراء حدوثها، واعتراف المريض بها ورغبته في العلاج والتحدث مع من يثق بهم، ويعد هذا هو أول خطوة على طريق الشفاء منه، أو أخذ الأدوية المضادة له، وأحياناً يكون عبر استخدام العلاجين معاً، الأمر الذي سيفضي إلى زيادة عدد من يسعون من المصابين به إلى الحصول على المساعدة في علاجه. * استشارية طب أسرة