قامت الزوجة بطبخ سمكة لزوجها ولكنها قطعت الرأس والذيل، قبل أن تطبخها وعندما سألها زوجها: لماذا قطعتي الرأس والذيل وشوهتي السمكة وحرمتينا من متعة مشاهدتها كاملة؟ قالت: إن أمي تطبخها بهذه الطريقة بعد أن تقطع رأسها وذيلها، سأل الزوج الأم: لماذا تقطعين الذيل والرأس عندما تطبخين السمك؟ ردت الأم: إن أمي تسويها بهذه الطريقة، بعدها سأل الزوج الجدة: لماذا تقطعين الرأس والذيل؟ أجابت: كان القدر الذي معنا في البيت صغيراً وكنت لابد أن أقطع الرأس والذيل من أجل أن تدخل السمكة في القدر، هذه حدود الحكاية أو القصة التي قرأتها دون تعليق من الزوج، عندما سمع السبب الحقيقي لطبخ السمكة ناقصة رأسها وذيلها، أو مناسبة لهذه الحكاية التي قرأتها لأنني أعتقد أن كل الأشياء مسببة ومن ضمنها الحكايات والأمثال التي نتداولها. في الحكاية السابقة من مفهومي أو ما أرادت أن تقدمه هي فكرة توارث الأشياء أو ما كان يقوم به السابقون ومن ثم إعادتها كما هي أو كما يقول الجميع، أنا أفعل ما كان يفعله آبائي وأجدادي، أو نفعل كما كان يفعل الآباء والأجداد أو ما وجدنا عليه آباءنا وأجدادنا، دون إشغال للعقل أو تفكير أو مراجعة في ما كانوا يقومون به وهل هو صحيح أو خطأ، وأحياناً عليك أن تسأل نفسك: لماذا كانوا يقومون به؟ الواقع أن كثيراً من الأشياء السابقة والتي جرت في العصور التي سبقتنا كانت رهينة عصرها وزمنها، ولها أسبابها التي ارتبطت بها ولعل القصة السابقة تعكس ذلك وهي أن الجدة لم تكن تملك سوى قدر واحدة صغيرة لا تكفي للسمك الكبير فتضطر لقطع ذيلها ورأسها وما نعرفه أن الحياة سابقاً كانت بسيطة ولا توجد في المنازل أوانٍ كثيرة والموجود هو قدران أو ثلاثة فقط، والجدة هنا واءمت السمكة بظروف القدر وهي محقة فعلى قدر لحافك مد رجليك، ولكن ابنتها وابنة الابنة أكملوا مسار السمكة المقطوعة الذيل والرأس، رغم تغير الظروف ووجود أكثر من قدر واتساعها للسمك الكبير دون قطعه أو تمزيقه ولكن لم تسأل أحدهما الجدة لماذا تقطعين السمك؟ والكل اعتمد على قاعدة أن ذلك هو الصحيح وما تقوم به الجدة علينا أن نسير عليه، دون أن نسأل، وهي ثقافة سائدة بين قطاع كبير من الناس، لا نغير ما وجدنا عليه أهلنا، أو أن أجدادنا كانوا يفعلون كذا وكذا، وبالتالي نحن نفعل مثلهم ما وجدناه عليهم لن نحيد عنه! والواقع أن هذه كارثة أن تعيش في زمن ليس زمنك وأن تفعل ما كانوا يفعلون دون أن تفكر أو تسأل رغم اختلاف الظروف وتغير الأزمنة، مشكلتنا الأساسية أننا نفضل أن نقبع في الماضي ولا نلامس الحاضر أو نتقرب منه والسبب أننا لا نريد أن نسأل ولا نريد أن نفكر، لأن السؤال تعقبه عاصفة من التفكير، ووحدهم من يريدون أن يتغيروا ويكسروا أبواب الماضي هم من يطرقون أبواب التفكير، أو يبحثون داخل ما أعتادوه ويخرجون من رتابته، ولكن هذا الجمود وهذا الصمت والسير خلف المألوف هو من يوحد الناس ويجعل منهم فوائض من الماضي وما وجدوا عليه غيرهم يرضخون له ليصنع هويتهم الآنية مع أنه يلبس رداء الماضي وقد يمضي به للمستقبل برؤيته المنقرضة وشرطه ببقائهم داخل ردائه، دون سؤال أو تفكير.