استغرب الزوج أن عروسه كانت تقطع ذيل السمكة، قبل أن تقليها في الزيت، وتكرر منها ذلك الفعل الغريب مرات عديدة، مما جعله يسألها عن السبب، فترد عليه بأنها لا تعرف السبب، ولكنها رأت أمها تفعل ذلك ففعلته. فذهب الزوجان ليسألا الأم، فقالت لهما إنها رأت أمها (الجدة)، تعمل ذلك، فذهبوا جميعا للجدة وسألوها عن السبب، فقالت لهم إنها كانت تفعل ذلك بسبب صغر حجم قدرها القديم (اليتيم)، مما كان يُضطرها لقطع ذيل السمكة! وهذه القصة، التي قد تكون حقيقية، وقد لا تكون حقيقية، إلا أنها تعطينا مثلاً واضحاً استدلاليا على سخافة كثير من موروث العادات والتقاليد الشعبية، مما قد لا يعتمد على أسس ومعلومة منطقية، ولكنها لا تلبث أن تصبح دستورا ثابتا للزمان والموروث. ومن منا يحيا بلا عادات وتقاليد، ولكن دعونا نسأل أنفسنا عن أسباب هذه العادات، وعن أصلها، وهل هي ذات أسس عقلانية، أم أنها مثل قطع ذيل السمكة. وبعض العادات تتطور، وتصبح لها أبعاد مختلفة كليا عن الفكرة الأساسية، فالرجل الخليجي يلبس العقال على رأسه، والعقال كان يستخدمه البدوي ليعقل به بعيره حينما يتوقف في الصحراء، ويضعه على رأسه ليجده متى ما أراده، ولكنه اليوم لا يتمكن من استخدامه لإيقاف السيارة مثلا. ولكن العقال كموروث اكتسب ومع مرور الوقت الكثير من المعاني الاجتماعية المختلفة، ذات الأبعاد غير المكتوبة، التي أضحت أقوي بكثير من أي قوانين، ليكون لبس العقال عادة جذرية، وميزانا يوزن به الشخص، ويتم تحديد قيمته الاجتماعية، والحكم عليه من نوعية نسيجه، ومن كيفية ارتدائه له. كما أصبح له مآرب أخرى، فهو يقذف تحت أقدام الضيف طلبا في رضاه، وقبوله للكرامة، ويرمى لحضن المتخاصمين ليرضيا بالصلح، ويرفع في وجه العدو تهديدا، وقد يتم طرحه أرضا والدوس عليه بالأقدام، لإذلال صاحبه وتحقيره. فانظر لما أنتجته لدينا هذه العادة، وما نسجته عقولنا ومجتمعاتنا على قطعة من النسيج، وما أصبحنا نسير ضمن منطوقه، فنُحمِلهُ أكثر مما يَحتمل، ونجعل منه سيفا على عنق من يرتديه. وهذا مثال بسيط على كثير من عاداتنا وتقاليدنا مما تجده ملاصقا لك في يومك وليلك، وفي وجودك الأسري، والمجتمعي، ولو سألت نفسك عن سبب تمسكك بهذه العادة، فلن تجد سبباً يحل لغز قطع ذيل السمكة. وعاداتنا وتقاليدنا ولا شك فيها الكثير مما يجب التمسك به، ولكن الكثير منها أصبح عبئا ثقيلا على حياتنا، بكلفته وإرهاصاته. فمثلا لو أخذنا عملية إكرام الضيف، وكيف أن الوليمة لا بد وأن تحتوي على ذبيحة أو أكثر، وأنه يجب أن يكون للذبيحة ذَنب سمين (رغم معرفتنا بأضرار هذه الدهون الحيوانية على الصحة)، إلا أن الأغلبية منا مازالت تُصر على التباهي بشحم الذَنب، وتحتقر من يلغيه في وليمته. ولو عدنا لسبب ذلك في السابق لوجدنا أن قلة الغذاء وندرته، كانت تجعل صاحب البيت يأمل في أن يقوم من عنده الضيف ممتلئ البطن، وأن يكمل مسيرته الطويلة لوجهته دون أن يشعر بالجوع، فيمتدح كرمه وضيافته. ومن المعلوم أن الدهون ترهق الجهاز الهضمي، ولا يتم هضمها بسهولة، مما يجعل شعور الشبع يستمر لدى الضيف لساعات أطول، ذلك الضيف، الذي كان يسير على قدميه، أو فوق ظهر راحلة ضامر لا شك سيساعده على هضم هذه الدهون. أما الآن، ومع وفرة الطعام، وتنوعه، وسهولة الحصول عليه حتى على الطرقات، فما الجدوى من أن أهدي ضيفي كميات مركزة من (الكلسترول)، ووعدا بتصلب الشرايين، وفرصة سانحة للسكتة القلبية، خصوصا وأن الضيف بالكاد يبذل مجهودا حركيا. أما آن الأوان لأن تتحرك مجتمعاتنا القبلية لقتل هذه العادة. فلو قام كل شيخ قبيلة، بالبدء بنفسه، في عدم تقديم الذبيحة كاملة الأجزاء لضيوفه، لتبعه أفراد القبيلة عن بكرة أبيهم، ممن يعتبرونه القدوة. ومن خلف هذه العادة فالثروة الحيوانية تُستنهك، وجيل الشباب يُدخِلون أنفسهم في تكاليف وديون، وفي إحباطات نفسية، ومن حقهم علينا أن نعيد النظر في هذه العادة وفي عدد كبير من عاداتنا المنهكة. وانظر لعادات الزواج، وتكاليف الحفلات الفضفاضة، ومهر وملابس ومصاغ المرأة، وما يتبعه من تشرطات كونت لدينا مجتمعا مختل التركيبة، فالبيوت تمتلئ بالبنات العازبات، والشباب قليلو الدخل يخشون أن يتقدموا لهن. ولو قام كل مسؤول وثري مقتدر بتقليص مصاريف زواج بناته، واكتفى بوليمة عائلية بسيطة في بيته، لكان قدوة، ولسهل على الشباب أمور حياتهم، وشجعهم على التقدم للزواج، ممن يهابون حاليا أن يقفوا على أبوابهم، خشية أن يرفضوهم لأنهم يقلون السمكة بذيلها.