يروى أن أحدهم لاحظ أن زوجته تقطع ذيل السمكة ورأسها عندما تطبخها فسألها عن السبب – فحارت الزوجة لحظات ثم قالت: لا أدري بالضبط.. ربما لأني تعلمت ذلك من والدتي! فذهب الزوج إلى والدة زوجته ولاحظ أنها تقوم هي أيضاً بقطع رأس السمكة وذيلها قبل طهيها. فسألها في ذلك. فصمتت وقالت: تلك هي الطريقة التي أعرفها وأستخدمها منذ سنوات.. وتعلمت هذا من والدتي! فأصرّ الرجل على سؤال الجدة التي ردت عليه: نعم.. الأمر بسيط, لقد كانت مقلاتي صغيرة, فلم أجد حيلة سوى أن أفعل ذلك! للأسف أن الكثير من البشر يشابه عقلية الزوجة وأمها حيث عقلية الجمود والبلادة في تعظيم فكر (الأبائية) فقط وجدوا آباءهم يفعلون ففعلوا مثلهم! لماذا المرونة؟ من أهم عوامل النجاح وأعظم الأسلحة المعينة على الفوز في (لعبة الحياة) هي المرونة وحتى على مستوى الآلات فأهم أجزاؤها هو الجزء الأكثر مرونة وهي من أعطت (مقود) السيارة تلك المزية الكبرى والأهمية البالغة، والمرن من البشر تنقاد له الصعاب وتتذلل العقبات ويخترق قلوب البشر, والمرونة تعين على التكيف مع المتغيرات ومسايرات التطورات والتأقلم مع الجديد النافع؛ فلا حكم مطلق ولا تصلب في رأي ما لم يكن من ثوابت الشرع المتفق عليه. إن الإسلام دين مرونة فالصلاة مثلا تأخذ شكل القيام مع القدرة وفي حال ذهابها لك أن تصلي قاعدا أو مستلقيا أو حتى بالإيماء، وللحج ثلاثة خيارات من النسك، وفي الكفارات بدائل متنوعة، ويعفى المسلم عن الصوم في حال المرض أو السفر، ومن تأمل في طيع الكائنات وجد أن المرونة هي القاسم المشترك بينها فالماء مرن والرياح مرنة والأشجار مرنة وجسم الإنسان مرن ومتى ما فقد الشيء مرونته تخشب وتصلب ثم يتلاشى وينقرض! وهي سبيلنا لدحر التعصب وطريقنا للتعايش وقد شاهدت في (كيرالا) في الهند أروع أمثلة المرونة حيث يعيش المسيحي بجانب الهندوسي بجانب المسلم متآلفين بسلام وللأسف وجدنا من يعادي ويحارب في مجتمعنا بمنطلق انتماء لناد! من صور المرونة 1. مراعاة التحولات العمرية والتكيف مع المتغيرات فما كنت تفعله عازبا من المرونة أن يتوقف بعد الزواج وما فعلته شابا لا يصح فعله إذا كبرت. 2. قبول النقد البناء مرونة والتراجع عن الخطأ مرونة، وعند علماء النفس أن الشخصية التي تعاني اضطرابا في الشخصية تتعطل عندها القوى التعويضية وتجنح دائما إلى أسلحة الدفاع عن النفس العنيفة فصاحبها يحسب كل صيحة عليه ويظن أن كل نقد تهديدا وخطرا يهدد مستقبله 3. المرن يتعافى من الجروح النفسية بشكل سريع فلا تجد صاحب الفكر المرن يدع جروحه النفسية بلا تطبيب وعلاج. 4. التعامل مع الناس بحسن ظن ويقظة دون شك أو اعتناق دائم لنظرية المؤامرة. 5. المرن لا يختل توازنه ولا يرتبك وضعه ولا تضطرب علاقته عندما يجد نفسه في بيئة جديدة فهو يستجيب لها دون ذوبان أو إلغاء لشخصيته. 6. يقبل الآخر ويتفهم حق الجميع في العيش الكريم، يحسن الاستماع ويتقمص المشاعر ولا يصادر الحقيقة. 7. المرن يفرق بين ما هو عبادة وما هو عادة فلا يخلط بينهما! 8. المرن ليس ضعيفا ولا منهزما، فلا يساوم على الثوابت فهو يتمحور على مبدأ ولا يحيد عنه. 9. المرن لديه خطة جاهزة لمواجهة التغيرات في المستقبل وذلك بفضل حسن استشرافه وجودة تفكيره. 10. المرن يتقبل مصائب الحياة ومدلهمات الأيام وشدائد الزمان بقلب رضي وروح ساكنة لا تبرم ولا سخط. 11. المرن يملك الحكمة في التفريق ما لا يمكن تغيره فيتكيف معه وما يمكن تغيره فيملك الإرادة اللازمة لتحسينه. 12. المرن يملك بدائل كثيرة في حياته فلا تراه يدور في فلك وظيفة واحدة أو شخص واحد. 13. المرن لا يستدرج لمعارك الصغيرة ولا تشغله الصغائر فوقته ثمين وأهدافه سامية. 14. المرن نفسه طويل وإرادته قوية فلا يتوقف من أول عقبة ولا يرتد مع أول إخفاق. 15. المرن هين لين سمح يتعامل مع الناس كونهم بشر فيقبل العذر ويدمح الزلة. سيكون حديثي الأسبوع القادم بإذن الله خطوات عملية لمرونة فكرية أكثر. ومضة قلم: في الحياة لا يمجد العنف إلا الطغاة كما لا يمجد التفريط إلا الفاشلون. [email protected]