أكتب هذه السطور من بكين. ولذلك فإنها فرصة للمطابقة بين النظرية والواقع. فأنا فيما سبق قد كتبت عدة مقالات عن الصين، ولكن كلها من واقع المتابعة وليس المشاهدة.. ومشاهدة الواقع يفترض أن لا تدخل مع المتابعة في تناقض إذا كانت هذه الأخيرة موضوعية. فهما تكملان بعضهما البعض فالمشاهدة ضرورية لتصحح ما قد يكون قد فات خلال البحث والمتابعة. وانا في إحدى المقالات عن الصين نالتني بعض الشتائم من قبل المترجم على بعض المواقع الامريكية. فربما يكون قد استغاض عندما توقعت أن النموذج الصيني سوف يشكل تحديا لإجماع واشنطن "Washington Consensus" إذا ما استمرت الصين خلال العشرين عامًا القادمة تحقق هذا المستوى العالي من وتائر نمو الاقتصاد. والسبب يعود إلى أن هذا النموذج يقوم على أساس التدخل الحكومي في الاقتصاد. في حين أن الإجماع المشار اليه يقلل من دور الحكومات الاقتصادي. ولذلك فإن نجاح الصين في اللحاق بأمريكا اقتصاديا وازاحتها عن وجه الصدارة سوف يعني ان تدخل الحكومات في الاقتصاد هو أمر مرغوب فيه وذلك على خلاف تعليمات اجماع واشنطن. فهذا الأخير قد جاء بعد انهيار الاقتصاد الموجه في الاتحاد السوفيتي، ولذا تأثرت مبادئ الاجتماع، الذي عقدته بلدان العالم في واشنطن، بهذا الحدث وقللت من أهمية دور القطاع الحكومي في الاقتصاد. وعلى هذا الأساس شهدنا الضغوطات التي تعرضت لها بلدان العالم في تسعينات القرن المنصرم وبداية هذا القرن من أجل خصخصة الشركات الحكومية. ولكن شتان بين الاقتصاد الموجه في الاتحاد السوفيتي والاقتصاد الصيني الذي تتدخل الحكومة في إدارته. فالاقتصاد الصيني في الوقت الراهن يعتمد بشكل كبير على الشركات وقطاع الأعمال وذلك ضمن ما يسمى برأسمالية الدولة. ولذلك فهو قريب إلى نظرية جون ماينارد كينز والى إدارة فرانكلين روزفلت منه إلى تعاليم كارل ماركس الذي يناهض الملكية الخاصة. فالصين تسير وفق تعاليم المصلح دينج الذي قال كلمته المشهورة: ليس المهم أن تكون القطة بيضاء ام سوداء وإنما المهم أن تصيد الفئران. أن تدخل الحكومة الصينية في الاقتصاد واضح في كل شيء. وربما يتفاجأ الزائر عندما يرفض الصراف أثناء الاجازات أن يبدل له أكثر من 100 دولار في اليوم. كما قد يتفاجأ بأن الواتساب وتويتر والفيس بوك والانستغرام واليوتيوب وكذلك محرك جوجل للبحث كلها تطبيقات لا تعمل في الصين. وهذا امر مزعج، ولكن الحديث يدور هنا عن أكبر اقتصاد في العالم. ولذلك فبقدر ما ننتقده فإنه يفترض أن نستفيد من تجربة هذا البلد ونتعلم منها أيضًا.