ان الانهيارات المتتالية في الأسواق المالية والتي أصبحت مسلسلاتها تعرض مباشرة على شاشات التلفزيون مثلها مثل بقية المسلسلات الأخرى أمر ينبئ بأن الولاياتالمتحدة لن تعود بعدها القوة المالية العظمى الوحيدة في العالم. وهجوم مكين على "ثقافة أندية القمار" في وول ستريت واتهامه لها بالجشع والفساد ماهو الا قمة جبل الجليد الطافية من المشاكل التي تعاني منها أسواق المال الأمريكية. فهذه الأسواق التي كانت في يوم من الأيام رمزاً للغنى والثروة ومثاراً لحسد الغير قد تحولت بقدرة قادر إلى محرقة ذابت فيها الاحتياطات المالية للعديد من البلدان والأفراد مثلما تذوب الزبدة على وهج النار. فالفوائض المالية الضخمة، لروسيا والصين واليابان وبلدان جنوب شرق آسيا ومنطقة الخليج التي تملك موجودات أجنبية ضخمة في الخارج، المستثمرة في عمالقة البنوك مثل Leman Brothers ليمان برذر أو في شركات الرهن العقاري الأمريكية على غرار Fannie Mae وFreddie Mac "فاني ماي" و"فريدي ماك" الرائدتين في هذا المجال، قد تعرضت إلى خسائر جسيمة. ففي هاتين الشركتين الأخيرتين وحدهما تحتفظ الصين باستثمارات تصل إلى 386مليار دولار واليابان 229مليار دولار. أما روسيا فقد قلصت استثماراتها فيهما من 75مليار دولار إلى ما يقارب ال 30مليار دولار. ولذلك فعندما ينفض الغبار عن هذه الأزمة، التي لم تر أمريكا والعالم مثلها إلا في نهاية العشرينات وبداية الثلاثينات من القرن المنصرم، ويحسب العالم الخسائر التي لحقت به جراءها فإنه سوف يكون من الصعب على أحد أن يسارع إلى الاستثمار في الولاياتالمتحدة. فأمريكا بعد هذه الأزمة لن تعود هي نفس أمريكا التي كانت القبلة التي تتوجه إليها استثمارات العالم والمنارة أو المدرسة التي يبتعث إليها الطلاب من كافة أصقاع المعمورة لتعلم فنون ادارة الاقتصاد. إذ كيف يمكن لبلدان العالم النامي ومفكريه الاقتصاديين أن يقتنعوا بإجماع واشنطنWashington Consensus، القائم على تحرير الاقتصاد والخصخصة والاستقرار النقدي والمالي، والحكومة الأمريكية بدلاً من الخصخصة تستحوذ على شركاتها المنهارة. أو كيف يمكن لدروس حوكمة الشركات Corporate Governance أن تأخذ حقها في التنفيذ والممارسة والعالم يرى البنوك والشركات الأمريكية الضخمة، نتيجة للفساد وسوء الإدارة، تتهاوى الواحدة تلو الأخرى. فحتى أنصار المؤامرة قد يكون من الصعب عليهم أن يفسروا كيف كان من الممكن أن تقدم قروض عقارية بسعر فائدة 2%، ومن ثم وعندما يحين موعد سدادها يرفع مجلس الاحتياطي الفدرالي سعر الفائدة إلى مستوى تصبح معه الرهون أقل من قيمة القروض المقدمة. أو كيف يمكن تفسير تقديم بنوك عريقة قروضا لأشخاص ليس لديهم أصلاً القدرة المالية على سدادها - ومن ثم تتحول تلك القروض بقدرة قادر إلى مشتقات مالية يتم تسويقها داخل الولاياتالمتحدة وخارجها ليصبح معها العالم برمته أسيرا لأزمة الرهن العقاري وسوء الإدارة المالية في وول ستريت. أن الولاياتالمتحدة، والحالة تلك، محتاجة إلى جهود غير عادية، إلى جهود جبارة، لاستعادة سابق بريقها. فالعالم من الصعب عليه أن ينسى الخسائر التي لحقت به والأموال الطائلة التي ضاعت في سوق الرهن العقاري - هذه الأموال التي سوف تستخدم من قبل حفنة محدودة من المؤسسات المالية الناجية، كما هو عليه الحال في حفلات القمار، لالتقاط ما تبقى من المؤسسات المنهارة بأبخس الأثمان.