من المتوقع أن يعلن الرئيس الأمريكي المنتخب باراك أوباما قريباً خطته المالية لتحفيز الاقتصاد الأمريكي fiscal stimulus package، وهي خطة غير معتادة لأنها تشتمل على تخفيض الضرائب ورفع الإنفاق في آن واحد، وهما أمران متعارضان عادة. فإذا أضيفت تكاليف هذه الخطة إلى الإنفاق المقرر سلفاً فإن عجز ميزانية عام 2009 قد يصل إلى 1.5 أو 2 تريليون دولار، أي ما يتعدى 10% من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة، وهو أمر غير مسبوق منذ الحرب العالمية الثانية. والخطة الأمريكية هي أكبر خطة في العالم لتحفيز الاقتصاد ولكنها ليست الوحيدة، إذ إن صندوق النقد الدولي قد دعا جميع الحكومات إلى زيادة الإنفاق لمعالجة تداعيات الأزمة المالية العالمية. وبناءً على ذلك رأينا الصين مثلاً تعلن عن خطة للتحفيز تبلغ حوالي 8% من الناتج المحلي الإجمالي، وكوريا وتايوان 4% تقريباً من الناتج المحلي الإجمالي. وتمثل هذه الخطط عودة إلى نظرية جون ماينارد كينز John Maynard Keynes الاقتصادي البريطاني، مهندس خطة الإنقاذ التي اتُّبعت للخروج من الكساد العظيم Great Depression الذي عمّ العالم في فترة الثلاثينات من القرن الماضي. وموجز نظرية كينز أن الطريقة المثلى للخروج من الكساد تتلخص في زيادة الإنفاق الحكومي للمحافظة على الطلب على السلع والخدمات إلى أن يستعيد المستهلكون والمستثمرون من القطاع الخاص ثقتهم بالاقتصاد ويعاودون ممارسة نشاطهم الاقتصادي السابق للأزمة. وقد نجحت دول العالم في الخروج من كساد الثلاثينات معتمدة على نظرية كينز، وإن كان نشوب الحرب العالمية الثانية قد لعب دوراً كبيراً في نجاحها نظراً إلى ما تطلبته الحرب من إنفاق حكومي كبير لقي دعماً شعبياً كافياً. وبنهاية الحرب تألق كينز كمنقذ للاقتصاد العالمي جعله في طليعة مهندسي النظام المالي العالمي الذي أنشئ على أنقاض الكساد العظيم والحرب العالمية الثانية واستمر إلى يومنا هذا. وحسب كينز، فإن حجم الحوافز يجب أن يكون كبيراً بما يكفي، ولكن السر ليس في حجم الإنفاق فقط بل في الجو السياسي أيضاً وقدرة الحكومة على الإقناع بقدرتها والتزامها بعافية الاقتصاد على المدى القصير والمدى الطويل معاً، وتلعب نوعية الإنفاق دوراً في نجاح الخطة ولكنه دور ثانوي حسب رأيه. وقد أثارت عودة نظريات كينز إلى البروز حفيظة الاقتصاديين التقليديين الذين ظنوا أنهم خلال العقود الماضية دفنوا تلك النظريات وبشروا بدلاً منها بنظريات تعتمد على حرية وقدرتها غير المحدودة على حل مشاكلها بنفسها. ولهذا رأينا الرئيس بوش يشير في تقديم خطته لإنقاذ النظام المالي إلى تردده في تأييدها باعتباره من المحافظين الذين يؤمنون إيماناً عميقاً بقدرة الأسواق على حل إشكالاتها بنفسها. فهل ستنجح هذه الخطط؟ أم أنه سينتج عنها كما يقول المحافظون أضرار طويلة المدى بسبب التبذير والإنفاق غير المنتج، والدين الحكومي المتراكم الذي ستستنزف خدمته موارد الميزانية مستقبلاً؟