لاح في الأفق هذا الموسم عزوف الجماهير عن مدرجات الملاعب السعودية، إذ تراجع الحضور الجماهيري بشكل لافت للنظر في الخمس جولات الأولى من الدوري السعودي للمحترفين، وأظهرت الإحصائيات التي تعرض خلال الشوط الثاني من المباريات أرقاماً متواضعة جداً، بعضها لا يليق أبداً بالدوري السعودي، أو حتى بالفرق الكبيرة التي تتنافس عليه، رغم جماهيريتها العريضة. عندما يقتصر الحضور الجماهيري في احدى مباريات الدوري الممتاز على 275 مشجعاً فقط فهذا مؤشر واضح على أن هنالك خللاً، ليس كذلك فحسب، بل أن المباريات التي جمعت الفرق الجماهيرية ببعضها في أولى الجولات لم يرتق فيها المعدل إلى الرقم المطلوب، وهذا يجعلنا نفتح ملف عزوف الجماهير عن المدرجات، ومعرفة الأسباب، من أجل تدراكها ومعالجتها خصوصاً وأن رياضتنا مقبلة على مرحلة التخصيص التي تتطلب عوامل جذب للمستثمرين الذين يبحثون عن الجماهير في المقام الأول، والأسباب مختلفة، منها مايتعلق بمستوى المباريات، وزيادة اسعار التذاكر، وتوقيت المباريات، وبيئة الملاعب، وربما غيرها. "الرياض" طرحت القضية على عدد من المختصين، ففي البداية يشير مسؤول الاستثمار في الاتفاق طلال البنعلي إلى أن ضعف الحضور الجماهيري يعود لأسباب عدة، ويقول: "بشكل عام هناك ضعف واضح وتراجع في الحضور الجماهير، الأسباب كثيرة عدم وجود البيئة الجاذبة للجماهير في معظم الملاعب، وكذلك تراجع مستويات ونتائج الفرق التي تشجعها الجماهير، بحكم اطلاعي على تجربة الاتفاق ومسؤوليتي في النادي كنا في الموسم الماضي نستقبل معدل 2500 مشجع وكان رقماً جيداً في البداية كون الفريق عائدا للعب مع الكبار، بعدها ومع تراجع النتائج انخفض الرقم إلى معدل يصل إلى 1500 في المباراة العادية وربما يصل إلى 1800 في المباريات ذات الطابع التنافسي، لكننا في الموسم الماضي خضنا تجربة التذاكر الموسمية وهي فكرة موجودة في كل دول العالم المتقدم كروياً وكانت ناجحة كبداية وفوائدها كبيرة أهمها الحصول على العائد من التذاكر في بداية الموسم وارتفاع هذا العائد بشكل عام وثانياً تعزيز العلاقة مع المشجع كون حصوله على التذكرة الموسمية سيكون مفيداً له مادياً باعتباره يشتري جملة من التذاكر بدلاً من يشتريها منفردة وبسعر أعلى، أيضاً استطعنا تكوين قاعدة بيانات تشمل المشجعين دائمي التواجد في مباريات الاتفاق وهذا أمر جيد لأننا نحرص على تعزيز الارتباط بين النادي والمشجع". وأضاف: " لا بد من دراسة هذا الأمر، ومعرفة العلاقة بين هذا الأمر وبين بعض العوامل مثل النقل التلفزيوني، فمثلاً في الدوري الإنجليزي يتم منع نقل المباريات مباشرة في بعض الأحيان عندما ينخفض معدل الحضور الجماهيري وهو حدث هذا الموسم، كذلك لا بد من النظر إلى عوامل مرتبطة بالأجواء في المدن الساحلية صيفاً، أيضاً هناك عامل مرتبط بغياب أو قلة النجوم في بعض الأندية فنحن في الاتفاق مثلاً نسعى للاستفادة من تواجد ثنائي الهجوم هزاع الهزاع ومحمد الكويكبي في المنتخب ووصولهما إلى مرحلة النجومية واستغلال ذلك باستهداف واستقطاب شريحة الأطفال وصغار السن بشكل عام لتعزيز القاعدة الجماهيرية للنادي وهو ما ينعكس إيجابياً على الحضور وعلى إيرادات النادي مستقبلاً". ويذهب المختص بالتسويق الرياضي مُصعب الحربي إلى أن الأسباب متعددة لكنها بالغالب مشتركة من الجهتين النادي والمشجع ويقول: "حضور المباريات يبدو ضعيفاً هذا الموسم ربما لأننا لا زلنا في بداياته وربما مع اشتداد المنافسة يزداد الحضور لكن لا أعتقد أن نشاهد أرقاماً كبيرة وقياسية إلا في مباريات الحسم و "الكلاسيكو" كونها تفرض نفسها إعلامياً وفنياً، في حين أن المشجع يفضل متابعة المباريات خلف الشاشات لأنه يستطيع تهيئة البيئة التي يبحث عنها حين يشاهد مباراة كرة قدم، وأعتقد أن هيئة الرياضة ماضية في اتجاه تعزيز بيئة الملاعب بشكل جدي ومختلف هذه المرة".ويتابع: "من المهم أن يقود النادي بدوره التسويقي على أكمل وجه، وهنا لا بد من وجود أشخاص متخصصين بهذا الجانب، على الأندية أن تحرص على الوصول إلى المشجع ولا تنتظر منه أن يأتي بنفسه، التجارب التسويقية الناجحة على مستوى العالم بالمئات وفي مختلف الدول والألعاب ونجاحها جاء لأسباب عدة أبرزها حرص النادي على التفاعل مع مشجعيه وتقديم المنتجات والخدمات وجعل المشجع يتميز عن بقية مشجعي الأندية بخدمات يستفيد منها مثل العضوية، بالطبع هذا من الصعب تطبيقه على كثير من أنديتنا لكن لا بد من المبادرة والتواصل مع الجماهير ومعرفة رغباتهم واهتماماتهم والخدمات التي يبحثون عنها بطرق غير تقليدية تماماً مثلما تفعل الكيانات التجارية خصوصاً وأننا مقبلون على تخصيص الأندية وهي الخطوة المفصلية والهامة في سبيل اعتماد الأندية على مواردها الذاتية التي تعتبر مبيعات التذاكر والمنتجات والخدمات من أهمها". واستطرد الحربي وهو المهتم بالتسويق الرياضي: " على الجانب الآخر لا بد من التنبه إلى أن المشجع السعودي بات متابعاً لأهم مسابقات الدوري في العالم ويعرف ثقافة المشجع في تلك الدول والمتعلقة بدعم ناديه من خلال الحضور وشراء التذاكر الموسمية واقتناء المنتجات والحصول على العضوية من أجل تعزيز الإيرادات التي تُستخدم لتقوية الفريق الأول وتعزيزه بلاعبين جيدين، وهنا لا بد من نقل هذه الثقافة للمشجعين، صحيح أن كثيرا منهم يعرف ذلك لكن الأمر بعيد عن التطبيق، وهذا يحتاج لبرامج وجهد تسويقي مختلف". "الرياض" تواصلت مع نائب رئيس لجنة المسابقات بالاتحاد السعودي لكرة القدم نعيم البكر، وسألته عن عزوف الجماهير ودور "المسابقات" في ذلك سواءً من ناحية توقيت المباريات أو غيرها، فأجاب: "لا أعتقد بأن توقيت المباريات له دور في عزوف الجماهير، كون 85% من مباريات الدور الأول في أيام إجازة نهاية الأسبوع، وهو توقيت مناسب لأغلب الجماهير، وهذا الدور المنوط بلجنة المسابقات لضمان أكبر حضور جماهيري، وإذا كانت الأندية ترى حلولاً أخرى لمواقيت أخرى مناسبة فستعمل اللجنة على التشاور معها بشأن ذلك". وأضاف "الحضور الجماهيري حتى نهاية الجولة الخامسة بلغ 179 ألفاً و203 مشجعين، وفي الموسم الماضي مع نهاية الجولة ذاتها بلغ العدد 207 آلاف و704 مشجعين، أي بانخفاض يقدر بحوالي 14% تقريباً، ولا نستطيع أن نحكم ان هناك انخفاضا في العدد إلا مع نهاية الدور الأول، ثم نهاية الدوري، فربما تأتي مباريات تقلب الموازين وتقلص الفارق بسرعة". وحول لعب الفرق المباريات غير الجماهيرية على ملاعب الأندية كما فعل الأهلي قبل مواسم، قال: "بعض الملاعب غير جاهزة بالكامل لمباريات دوري المحترفين، وإذا كنت تبحث عن حضور أكثر وتضعها في ملعب أصغر فأنت لم تعالج المشكلة، حتى لو كانت المباراة غير جماهيرية من الطرفين، فالأرقام تؤكد أن كثيرا من المباريات كانت جماهيرية من طرف واحد وتجاوز الحضور فيها 50 ألف مشجع، في السابق كان معدل الحضور الجماهيري الموجود ضمن معايير الاتحاد الآسيوي في تحديد مقاعد دوري أبطال آسيا خمسة آلاف مشجع، لكنه الآن ليس من ضمن المعايير". واختتم حديثه بقوله: "برأيي الشخصي يجب تعزيز ثقافة الحضور الجماهيري حتى بعد البطولات، وجعلها عادة مستديمة لدعم الفريق، وليس لأجل تحقيق بطولة ما ثم العزوف عن ذلك، وعدم ربط الحضور بالمستوى أو خسارة بطولة أو اي شيء معين، الحضور يجب أن يكون لدعم الفريق في إنكساره قبل انتصاره، صحيح أن بيئة بعض الملاعب غير مشجعة ولكن في بعض الأعوام نشاهد حضورا كبيرا لبعض الفرق رغم ذلك، الآن معالي رئيس هيئة الرياضة مشكوراً شكل لجنة لإيجاد أفضل الطرق لتعميم بيع التذاكر الإلكترونية وترقيم المقاعد في جميع الملاعب بعد أن اثبتت نجاحها في ملعب مدينة الملك عبدالله بجدة، وبالطريق بإذن الله تعزيز أكثر لخلق بيئة أفضل، ولا تنسينا هذه البيئة تعزيز ثقافة الحضور. الحربي: الدور التسويقي غائب والمشجع لا يقوم بدوره البكر: التوقيت بريء.. وملاعب الأندية ليست جاهزة