26 سبتمبر 2017، يوم يسجل في تاريخ المملكة، يوم سقط المنع وتم الانتصار للمرأة ككائن لايقل فعالية عن الرجل. فرحة غامرة هزت المملكة ووسائل التواصل الاجتماعي، هي لحظة تحول تاريخية تعيشها المملكة في القرار الملكي المؤيد لسياقة المرأة للسيارة. وعلى الفور كان الخبر يتصدر عناوين الصحف العالمية ووسائل التواصل بل والأوساط الاجتماعية الغربية، ولسنا هنا بصدد رصد تفاعلات هذا القرار الملكي وأهميته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي بلاشك لن تكف تتناولها الأقلام ودراسات المختصين المتأنية، وإنما وفقط سأحاول تقديم صورة مبسطة عن ردود أفعال الناس البسطاء في المجتمعات الدولية والمجتمع الفرنسي خاصة بحكم اتصالي اليومي به. تتحرك في هذا الحي الباريسي وتفاجأ بردود الأفعال الفردية بين الجمهور من كل الأجناس إذ تتلقى التهنئات سواءً من أغراب عابرين أو من الأصدقاء و الجيران ، عبارات تتنوع: التهنئة من جارتي المهندسة المعمارية التي لم تتجاوز الثلاثين من العمر قائلة: "تهانينا، لقد أصبحتن متحركات Congratulations for the mobility " يصدمني وصف كسيحة ومتحركة لأن المرأة كان لها حضورها الفاعل بصرف النظر عن قيادة السيارات وتتلاحق التهنئات من سائق سيارة أوبير المشتغل أصلاً بالصحافة، "للسعودية أن تبتهج بمنح نصف المجتمع هذا الحق و الخلاص من الاتكالية ." وتستوقفني جارتي هذه المؤرخة البريطانية العجوز وتفتتح الصباح بمحاضرة: احتاج السماح بقيادة المرأة للسيارة تدخلاً رسمياً لحسم هذه المقاومة والقائمة على مخاوف لا أساس لها، مقاومة تدل على عدم وعي بتاريخكم وبمرجعيتكم الدينية، لقد حاربت الصحابيات في جيش نبيكم. يتبرع هذا المثقف المعتاد تناول قهوته في هذا المقهي المطل على حدائق بارك مونسو، " لا أفهم، ما المفزع في وجود المرأة خلف مقود؟ أهو الخوف من الرمز أم الخوف من التغيير؟ أن تقود المرأة السيارة لايعني أن تقود الذكور. وتسارع مصففة الشعر لاستقبالي ضاحكة، " سأطلب كوكتيل الجزر والبرتقال بالكثير من الزنجبيل للاحتفال، نريد شيئاً ساخناً لتحية هذا الحدث الساخن." بينما تفاجئني رسالة صديقتي المترجمة الألمانية في جملة واحدة: " أنه حدث مثير فعلاً ..إننا لمحظوظون بمعايشتنا للحظة التغيير الحاسمة هذه في مسيرة المملكة ووعي إنسانها،التي ماهي إلا خطوة ضمن خطوات تنتظمها رؤية ولي العهد محمد بن سلمان 2030، الرؤية التي نلمسها تتجسد في واقع المملكة الآن التي تشهد تحولات تاريخية يعيشها المجتمع السعودي في كل نواحي حياته، مما يجعل الملك سلمان بالصلاحيات الممنوحة لنجله ولي العهد بحق الصانع لعهد التجديد أو المملكة العصرية.