قبل نحو ثلاثة عقود أجرى الزميل العزيز جاسر الجاسر عبر مجلة المجلة لقاء رائعا مع الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله كان من بين أحد أسئلته الاستفسار عن" تراجع الشيخ عن فتوى اطلقها عام 1376ه تقضي بتحريم جهاز المذياع "الرادو" وبعدها بنحو عشر سنوات خرج الشيخ عبر برنامج في الإذاعة السعودية ليتم استماعه عبر المذياع".. فأجاب الشيخ: ظهر لنا خلاف ما كنّا نراه حين افتينا بتحريمه. المعنى في هذه المقدمة أن هناك متحركات وهناك ثوابت، فلن يخرج علينا من سيطالب بتغيير في وقت أو تفاصيل الصلاة أو الزكاة لأن إثباتها وهيئتها ووقتها تم بأمر من الله ورسوله، أما المتغيرات كما هي مدارس البنات وقيادة المرأة فتلك يحكمها المصلحة العامة وما يراه ولي الأمر في إطار حجم المنفعة والمضرة لا سيما وأنها من ضمن ما يقاس عليه ولم يصدر فيها أحكام كما هي سابقاتها الكثيرة التي بدأت بتحريمها وما لبثت إلى أن أصبحت حلالا زلالا ينعم بها من طالب بها ومن أفتى بتحريمها؟!. وهنا وقياسا على ما بدأنا به عن شيخنا المرحوم ابن باز فلم تكن قضية قيادة المرأة السعودية عادية لكي يتم تجاوزها أو الاستغناء عنها، لكن من فرط التكرار لمحاور هذه القضية بات الأمر أقرب إلى الترديد الممل، لذا أصبح الأمر يدور في دائرة مغلقة من دون الخروج بنتائج مرضية أو حتى مقنعة لأطراف الاختلاف.. وكان القرار الحكيم من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حاضرا ليضع حدا نهائيا للجدل الدائر منذ عقود في مثل هذه القضية بعد أن ساهم الجميع بإيجاد الحلول لها، وليثبت القرار الملكي بأننا مجتمع قادر على حل قضاياه بهدوء وروية وبما يضمن مصلحة المجتمع وأفراده. وبعد الأمر السامي الكريم نعتقد جازمين ونكرر بأن الدولة هي المسؤول الأول والمباشر عن الأوصاف الحقوقية للمواطنين ورعايتها لأنه بيدها تطبيق القوانين كافة وممارسة العدالة الاجتماعية، لا سيما وأننا في زمن تظهر فيه المرأة كصنو للرجل، لها حقوقها الدينية والاجتماعية والمدنية، ولها الحق أن تكون عضوا كامل الأهلية في المجتمع، هي اليوم مشارك بشكل فاعل، وبما يزيد من ارتقاء البلد واستقراره وفق توافق لم يقلق أحدا، ولا يدعو إلى الضغينة أو خروج عن الطريق السوي، ولا يستدعي صدور فتاوى بالويل والثبور، فقط ننتظر لأن القبول للأمر مسألة وقت كما عرفنا عبر مرفوضات سابقة، حينما نجد أبناء وبنات من خرجوا لهدم مدارس البنات ومن افتوا بتحريم الجوال والأطباق اللاقطة "الدش" والجوال هم الأكثر استخداما لها، بل إن من قاتلوا لتحريم الأخيرتين نجدهم الآن يتسابقون على الخروج عبر شاشة القنوات الفضائية ومواقع التواصل التي يبثها الجوال. أصبح على الجميع أن يدرك أن تواصل ارتقاء المرأة السعودية وبلوغها شأناً كبيراً في الحياة الاجتماعية السعودية والخارجية لا يعني أن ذلك سيؤدي إلى انهيار المجتمع لأن المرأة السعودية قد أثبتت نفسها في ميادين الطب والعمل والاقتصاد والتعليم، وباتت أحد حصون هذا الوطن المعطاء. الأهم في القول بعد هذا الأمر السامي أن نواصل الارتقاء بتفكيرنا وعلاقتنا مع بعضنا ومع الثقافات الأخرى ودون أن نتخلى عن ثوابتنا الدينية كما علينا أن نبتعد عن التحفظ المبالغ فيه لننطلق نحو آفاق التغيير والحوار البناء والعمل المجتمعي المبني على المحبة واحترام الغير.