في فترة مضت كانت ثقافة التحريم تسيطر كثيرا على المشهد العام, لدرجة أن بعض فتاوى التحريم من بعض الدعاة كانت لا تتفق حتى مع ثوابت الدين, ولكن من باب سد الذرائع وخضوعا للثقافة الاجتماعية وقوة العرف وتمكنه في السيطرة على الثقافة العامة وانخفاض مستوى التعليم والوعي بكل مكوناته, سواء عند من يقوم بالإفتاء من بعض العلماء أو المتلقي الذي يسلم عقله دون تمعن أو تدبر, ولغير ذلك من أسباب. اليوم نجد بعض ما تم تحريمه بالأمس يصبح جزءا من حياتنا عموما بمن فيهم أصحاب تلك الفتاوى, مثل التصوير وهاتف الجوال المزود بكاميرا والأطباق اللاقطة (الدش) والنقاب بل وشرب القهوة ولبس الغترة البيضاء... وغير ذلك..., ليس غايتي تعداد محرمات الأمس مباحات اليوم أبدا..., بل أريد من علمائنا استعادة زمام الأمور واستعادة هيبة الفتوى واستعادة قيمة العلم الشرعي, ولن يكون ذلك إلا بقوة علم الداعية ومتانة مراجعه وثقل المحتوى المعرفي وتنوعه وتجديده بما يتفق مع متطلبات العصر وتحقيق منهجية الاجتهاد التي هي ذراع الدين الاسلام في تحقيق ديمومة الاستمرار مع عدم تغييب الجانب الروحاني في الإسلام وهو جانب مضيء ومشع وجاذب لغير المسلمين والمسلمين في آن واحد وفي ذات الوقت عدم الركون لتأثير العرف واللجوء لباب سد الذرائع لأن هذا الباب ليس القاعدة بل الاستثناء. نعم مع التقدم العلمي الرهيب وقدرة الإنسان للوصول للفضاء والاكتشافات العديدة في غير مجال يبقى الإنسان في حاجة للإشباع الروحي عبر علاقة سامية مع ربه, والجانب الروحاني موجود بقوة في الديانات السماوية وخاصة الإسلام ولكن للأسف لم يتم التركيز عليه واستثماره في الدعوة لعبادة الله والدخول في الدين الإسلامي.. اليوم الإنسان وصل للفضاء وتداخلت المجتمعات في منظومة العولمة بحيث باتت كثير من الحدود خطوطا افتراضية وسياسية أكثر منها واقعا حقيقيا, فعبر شبكة اتصالات يمكن الاشتراك في إجراء عملية جراحية بين فريقين طبيين أحدهما في الرياض والآخر في نيويورك بل ويمكن الاستعانة بفريق في طوكيو في ذات الوقت دون الحاجة لسفر المريض أو الطبيب, كما أن الحجز للفضاء بات جزءا من ثقافة ترفيه بعض المجتمعات..., وغير ذلك كثير من معطيات العلم وثوراته التي أبهرت الإنسان ولكن بقي البحث عن إشباع الجانب الروحي منطلقا وسببا لخروج كثير من الجماعات الفكرية والدينية خاصة في المجتمعات الغربية حيث بلغ العلم مدى يفوق طاقة وتفكير الإنسان العادي ويتجاوز حد احتياجاته الأساسية بل والإضافية في غير مجال...., اليوم أمام علماء المسلمين عموما والعلماء المتمكنين في السعودية على وجه الخصوص فرصة ذهبية بشرط التخلص من الإرث الفقهي القديم والمكون الثقافي الاجتماعي مع البعد عن تسييس الدين والاهتمام بالجوانب الروحانية والإنسانية في بناء الدين الإسلامي ومعالجة الخطاب الديني واستبداله بخطاب معاصر يتقن ملامسة عمق الاحتياج البشري للقيم السماوية في خضم التدفق العلمي والتوحش الرأسمالي وبحث الإنسان عن ضياء لا يأتي إلا من رب السماء.