التاريخ السعودي في كل تفاصيله، وأحداثه، وتداعياته لا ينتهي إلى ذكرى في ظاهره، أو دروساً لمستقبله، أو نموذجاً في رموزه، أو مبادئ راسخة لأجياله، ولكنه مع كل ذلك تاريخ نشعر معه بوجودنا ومصيرنا، ونستمد منه قوتنا وكرامتنا، ونستذكر معه كيف ناضل الملك عبدالعزيز ورجاله في لم شتات الأرض والإنسان على منهج التوحيد والوحدة، وأين وصلنا ونحن على ذات المنهج من أمن واستقرار وتنمية. من يقرأ تاريخ عبدالعزيز؛ يدرك أن حلمه بناء دولة قوية في عقيدتها، ووحدتها، وغنية بأبنائها، ومؤثرة بمبادئها، وعزيزة بسيادتها، وخادمة للإسلام والمسلمين، وتحقق له ذلك؛ لأنه صدق مع الله فيما أراد، وصدق مع شعبه فيما يريد، واكتمل حلمه بإعلان وحدة هذه البلاد، رغم كل ما واجهه من تحديات، حين قهرت إرادته المستحيل، وأنشأ دولة من عدم -إلاّ من منهجها القويم، وتضحيات رجالها المخلصين-، فلا موارد كافية، ولا تنمية ظاهرة، ولا معين إلاّ الله، ومع ذلك كان له التمكين، والقبول، وفُتحت له أبواب الخير. اليوم يستمر نضال الملك عبدالعزيز معنا كجيل مسؤوليته الحفاظ على منجزه الوحدوي، وتضحياته الجسام في بناء دولته، وسيبقى هذا النضال مستمراً جيلاً بعد آخر؛ لأن ما تركه لنا عبدالعزيز لا يمكن تعويضه، أو التفريط فيه، أو التنازل عنه، حيث ترك لنا وطناً هو قبلة المسلمين، ومنطلق الرسالة، ومستقر العروبة.. وطن أسسه ثابتة وراسخة من العدل والمساواة.. وطن لا نزايد عليه بشعارات، أو نساومه على تقصير، أو نرخصه عن أي بديل.. وطن من لنا سواه، وماذا يبقى بدونه، ومن سيكون مكانه.. وطن هو في داخلنا كل ما نحلم فيه، وفي ناظرينا كل ما نرجوه، وفي ذمتنا له انتماء، ولقيادته بيعة ولاء لا تفارقنا. اليوم الوطني لنا نحن السعوديين هو تجديد لما التزمنا به، وحافظنا عليه، وشكر لله على ما نحن فيه، وسائرون عليه؛ فلا يؤثر فينا طامع أو حاسد، ولا ينال منّا رخيص أجير، ولا يأخذنا تصنيف أو تأزيم إلى مستنقع الفتنة. نحن شعب واعٍ، وأثبتت الأحداث والمواقف أننا أكبر من مشروعات الفوضى والانقسام التي تحاك لنا، وتسعى للنيل منّا؛ لأننا توارثنا أباً عن جد أن نحمي هذا الوطن من كل عابث وخائن، ونفديه بأرواحنا لنبقى فيه، فلا يمكن أن نبحث في المنافي والملاجئ عن وطن بديل عنه، ولنا في «ثورات الربيع العربي» دروساً كيف يكون للإنسان قيمة أو كرامة أو أمن بلا وطن. كل عام ووطني بخير، وقيادته إلى عز وتمكين، وشعبه إلى أحلام تتحقق مع رؤية الطموح للمجد والعلياء.