قبل 85 عامًا كانت رحلة شاقة أجزم أن الكثيرين منا لم يعيشوها، ولكنني متأكد أنهم سمعوا وقرأوا عنها، ومن عايش ليس كمن سمع، ونجزم أنها كانت شاقة ومضنية ومرهقة، رغم قلة عددها وعتادها وتكالب الأعداء والحاقدين والحاسدين والمبغضين من كل صوب وحدب من الداخل والخارج، ورغم مقارعة دول كبرى وأحزاب ومنظمات وتجمعات بشرية متنوعة ومتباعدة ومتقارعة ومتصادمة، وأحيانا متقاطرة، ولكن مشيئة الرحمن القدير شاءت من فوق سبع سماوات أن يعود الملك مجددا لله ثم لعبدالعزيز بن عبدالرحمن على الجزيرة العربية لتتوحد تحت راية لا إله إلا الله. ومر اليوبيل الفضي والذهبي ونحن على مشارف الألماسي -إن شاء الله- والمملكة العربية السعودية بحمد من الله وفضله ثم بقادتها، وأركانها رجالات ونساء الوطن المخلصين يعززون لحمتها يوما تلو الآخر ويوطدون اسمها وقيمتها وثوابتها وحضارتها ومساهماتها في العالم العربي والإسلامي والدولي، ويزداد الوطن بالحرمين الشريفين والحضارة الإسلامية والتاريخ العربي الأصيل والثوابت، التي قام على دعمها وتأصيلها المغفور له الملك عبدالعزيز -رحمه الله- لتظل هي النبراس وهي الحلم وهي الأمل وهي الإضاءة التي تنير الدروب إن أغدق الظلام وأسجى حبائله على بعض من الدول والشعوب ولا فخر ولا مناص عن الحقيقة الجزلى أن نردد فضل وشكر المنعم عز وجل على المسيرة المباركة، والتي أسست لمفاهيم الوحدة والاتحاد العربية والإسلامية، رغم العواصف التي تضرب السواحل والشواطىء من حين لآخر، ويظل المركب وباستمرار له قبطان وقائد صاحب فكر ونضج ووعي يأخذ به إلى بر الأمان كدولة ذات ثوابت راسخة ترفع الكتاب والسنة دستورين وتشريعين، والحق والفضيلة والإسلام والعروبة والصداقة والانسانية والعزة والحزم والمبادىء خصائص حيوية في جينات الكيان الراسخة والثابتة لا تتزعزع عن أحد منها بأي حال من الأحوال تتوارثها من جيل لآخر ومن زعيم إلى من بعده، وهي سياسة داخلية وخارجية وعربية وإسلامية ودولية، تمتزج فيها وشائج الثبات والصدق والمحبة والتعاون والسلم، وعلى النقيض تنبذ الظلم والعدوان وتصدير المشاكل والقلاقل للآخرين وهي من القلائل التي تجدها نابضة بالتفاعل والمشاركة في الشرق الأوسط والعالم، وتعدل وتعفو وهي كبيرة بحكمتها ووعيها غير طائشة ولا مستكبرة، ذات خصال كريمة تقوم على ثوابت راسخات والحمد لله رب العالمين. وقبل الختام.. وبينما الحجاج يؤدون فرائض الشعيرة المقدسة ويقترب المنسك على الانتهاء، وفي خضم مشاركة الوطن وقادته وشعبه كل في موقعه تنظيم وتصعيد وتفويج الحجاج في خدمة إحدى شعائر الإسلام الرئيسية، وفق ما يرضي الله -عز وجل- ورسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- تتزامن مسيرة 85 عاما مع الحج، لتؤصل تطابق وتلاحم العقيدة الإسلامية وشعائرها الظاهرة في هذا الوطن مع ذكرى التوحيد والكفاح والنضال التي بدأت في مرحلتها الثالثة من الملك عبدالعزيز ثم سعود وفيصل وخالد وفهد وعبدالله وسلمان أجزل الله لهم الجزاء والمثوبة على ما قدموا ويقدمون فهم لبنات خدمة البيتين ووحدة المسلمين والعرب، وهو تشريف أراده الله لهم شرفهم به على سائر الأمم والحمدلله رب العالمين. وفي الختام.. رغم أن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -حفظه الله- وفي موسم الحج والوفود بالملايين تتقاطر والحرب على الحدود تشتعل لا ينفك -أطال الله في عمره على الطاعة- أن يدخل لمسات مفاجئة على شعبه فيجزل عليهم بإطالة إجازة عيد الأضحى، أعاده الله عليه وعلى الأسرة المالكة والوطن ونحن معهم والكل يرفل بثياب العزة والفلاح والنصر والتمكين والرخاء، إنه ولي ذلك والقادر عليه وحده.