منذ بداية المقاطعة العربية لقطر بسبب دعمها للإرهاب وفتح أبوابها لداعميه واستضافتهم على أراضيها، اختارت الدوحة الهروب من أزمتها عبر مد الجسور وفتح الأبواب للقوى الإقليمية التي لا تضمر خيراً للمنطقة ودولها، وفضلت تجاهل كل الأصوات الخيرة التي تؤكد لها دوماً بأن الحل في محيطها الطبيعي وعمقها العربي وليس في مكان آخر. هذا التعنت والمكابرة الفارغة تجلت في نقاش حاد وصل حد التلاسن خلال الجلسة الافتتاحية لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية العرب أول أمس الثلاثاء، وذلك عقب كلمة وزير الدولة للشؤون الخارجية في قطر سلطان المريخي التي اتهم فيها زوراً الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب بالفبركة وأن مطالبها ضد القانون الدولي وحقوق الإنسان على حد زعمه، والأدهى من ذلك هو تبرير الوزير القطري لعلاقات نظامه مع طهران بالقول إن "إيران دولة شريفة"، في موقف يؤكد إمعان نظام الدوحة في الابتعاد عن أشقائها والارتماء في أحضان من لا يريد لها ولا للمنطقة خيراً، ويصادق في الوقت نفسه على أن قطر ليست إلا أداة في يد ملالي طهران، مهمتها لا تتجاوز دق الأسافين بين الدول العربية، ونشر الفتنة والخراب فيها تمهيداً ل"الشرفاء" -على حد وصف الوزير القطري- لبسط نفوذهم فيها. وعندما وجد من يدير الأمور في الدوحة أن الاستقواء بإيران لا يكفي قرر إضافة عنصر آخر إلى جانب إيران ليعزز به جبهته ضد أشقائه العرب، هذا اللاعب الجديد هو إسرائيل. وعملاً بنمط المراوغة المعتاد من جانب قطر، ومحاولة منها للتستر على خطوتها هذه اختارت التواصل مع إسرائيل بشكل غير مباشر وذلك عبر زعماء المنظمات اليهودية الصهيونية في الولاياتالمتحدة لكسب تأييدهم في أزمتها وبالتالي تأييد تل أبيب. والطريف في الموضوع أن من أرادت الاستقواء بهم هم من بادروا إلى فضح خطوتها هذه، حيث كشفت صحيفة "هآرتس" في تقرير لها أن قطر بادرت بالتواصل مع رؤساء عدد من الجماعات اليهودية البارزة، وسألتهم ما إذا كانوا سيلتقون مع الأمير تميم خلال زيارته لمدينة نيويورك الأسبوع المقبل. وأضافت الصحيفة أن هذا العرض قدمه نِك موزين، مستشار العلاقات العامة الذي عينته قطر مؤخرا لتحسين صورتها في الولاياتالمتحدة، بما في ذلك داخل الجالية اليهودية. ويبدو أن هذه المحاولة القطرية باءت بالفشل أيضاً بعد رفض رئيس المنظمة الصهيونية الأميركية مورت كلاين العرض القطري، وبرر رفضه هذا بالقول إن هذه الخطوة من جانب قطر ليست إلا محاولة لتعديل صورتها في إطار حملة علاقات عامة لا أكثر. هذا الرفض من جانب قادة المنظمات الصهيونية للطلب القطري يؤكد حقيقة واحدة وواضحة منذ بداية الأزمة، وهي أن ملجأ قطر الوحيد في أزمتها هذه هو العودة للحضن العربي، ولو أنها عدلت عن مكابرتها وعادت إلى أشقائها لوجدت لديهم شرفاً حقيقياً لا تحويه القوائم، ويداً تعينهم بلا منة أو مقابل، بدلاً من اللهث خلف سراب شرف إيران وإسرائيل.