يبدو أن مجموعة MBC حسمت أمرها أخيراً وأصدرت القرار الذي لابد منه وهو إيقاف المسلسل الرمضاني "سيلفي" والاكتفاء بأجزائه الثلاثة الناجحة، في خطوة تعبر عن وعي بأن النجاح لا يمكن احتلابه إلى الأبد، فحتماً ستأتي لحظة ما يصل فيها العمل –أي عمل- إلى نقطة النهاية التي يتوقف فيها عن تقديم ما يغري على المتابعة. عندما انطلق "سيلفي" في رمضان 1436ه، قدم حلقات استثنائية وحقق نجاحات كبيرة جعلته أهم مسلسل سعودي في ذلك العام، واستطاع أن يكون امتداداً شرعياً لمسلسل "طاش ما طاش" الشهير بجرأته وقوته في تناول الموضوعات الاجتماعية الحساسة، وأيضاً بتألق نجمه ناصر القصبي. وقد أغرى هذا النجاح القناة المنتجة فصنعت منه جزأين آخرين حظيا بنفس القدر من النجاح، لكن بدا بوضوح أن الجزء الأخير كان مُرهقاً لطاقم العمل، خاصة لأبطاله الملتزمين أيضاً بمسلسل درامي آخر هو "العاصوف" بأجزائه الخمسة التي لم يصور منها حتى الآن سوى جزء واحد. مسلسل "العاصوف" هو مشروع الحياة بالنسبة للفنان ناصر القصبي. تابعه منذ أن كان فكرة وليدة، وعاش معه لحظات نموه مع السيناريست الراحل د. عبدالرحمن الوابلي منذ خمس سنوات، قبل حتى أن يفكر بمسلسل "سيلفي"، وانتظر حتى تهيأت الظروف المناسبة لإنتاجه في أستوديوهات أبوظبي، وأثناء استعداده للحظة بدء تصوير مسلسله التاريخي الملحمي جاء مشروع "سيلفي" بزخمه ونجاحه لينشغل فيه لثلاث سنوات متتالية، كان خلالها مشتتاً بين "سيلفي" ذي النكهة ال"طاشية" التي يحبها كثيراً وبين "العاصوف" الذي يعتبره تحدياً فنياً سيكون محطة مهمة ليس فقط لمسيرته الشخصية بل لمسيرة الدراما السعودية بشكل عام. هذا التشتت اتضح في رمضان الماضي، حيث لم يكن "سيلفي" بذات الألق الفني الذي ظهر في الجزأين الأولين، كانت حلقاته أقل تماسكاً، وأفكاره مكرورة، وقوالبه هي ذاتها القوالب التي ألفها الجمهور وتشربها، ومع ذلك حقق العمل نجاحاً موازياً للنجاحات السابقة بفضل كاريزما القصبي. وسبب هذا التغير الذي طال الجزء الأخير هو ببساطة تداخل إنتاج "العاصوف" مع إنتاج "سيلفي" وعدم قدرة القصبي على التوفيق بينهما، لذا كان لابد من التضحية بأحدهما. قرار إيقاف "سيلفي" سينعكس إيجاباً على القصبي نفسه قبل أي أحد آخر، إذ سيتمكن من العمل بتركيز تام على مشروع حياته "العاصوف" وسيتابع أدق تفاصيله دون الانشغال بأي عمل آخر. في كل سنة من السنوات الثلاث القادمة سيكون لديه تصوير جزء واحد فقط من "العاصوف"، وسيتخلص من الإجهاد الذي يأتيه من وراء "سيلفي" ذي الثلاثين حلقة منفصلة بأفكارها وشخصياتها؛ ثلاثون حلقة هي في حقيقتها ثلاثون فيلماً قصيراً عليه أن يصنعها خلال أشهر معدودات في كل سنة، وفي هذا إرهاق كبير لا يدركه إلا العاملون في إنتاج الدراما. صناعة الفن الراقي ليست مستحيلة ولا معقدة، وهي لا تحتاج إلا للوعي والمال والوقت. وبالنسبة لناصر القصبي فهو يمتلك وعياً كبيراً كما يمتلك المال بحكم تعاونه مع MBC لكنه يعاني مع "الوقت" الذي يخذله كثيراً ولا يسمح له بتقديم ما يطمح له شخصياً، لكنه الآن وبعد إيقاف "سيلفي" سيتوفر له الوقت والتركيز والتفرغ وسينتج عن ذلك -بإذن الله- أجزاء متميزة من ملحمة "العاصوف".