رغم إعجابنا بالمعتمد بن عباد (431-488ه) حاكم قرطبة وأشبيليا في عصر (ملوك الطوائف بالأندلس)، لشجاعته وموهبته الشعرية وتشجيعه للثقافة في عهده، إلّآ أننا نعتبر قصة (يوم الطين) المشهورة والمكرورة في كتب التراث نقيصة فيه، قبل أن تكون نقيصة في زوجته التي شاركته في سجنه وبؤسه حين استولى (ابن تاشفين) على ملكه، وسجنه في سجن مخيف مهين في (أغمات) حتى إن بناته الأميرات زرنه يوم العيد بائسات تعيسات قد ضربهن الفقر بعد غنى طاغٍ، وأذلهن بعد عزٍّ رفيع، فقال قصيدته البديعة حقاً: فيما مَضى كُنتَ بِالأَعيادِ مَسرورا فَساءَكَ العيدُ في أَغماتَ مَأسورا تَرى بَناتكَ في الأَطمارِ جائِعَةً يَغزِلنَ لِلناسِ ما يَملِكنَ قَطميراً بَرَزنَ نَحوَكَ لِلتَسليمِ خاشِعَةً أَبصارُهُنَّ حَسيراتٍ مَكاسيرا يَطأنَ في الطين وَالأَقدامُ حافيَةٌ كَأَنَّها لَم تَطأ مِسكاً وَكافورا لا خَدَّ إِلّا تَشكّى الجَدْبَ ظاهِرهُ وَلَيسَ إِلّا مَعَ الأَنفاسِ مَمطورا أَفطَرتَ في العيدِ لا عادَت إِساءَتُهُ فَكانَ فِطرُكَ لِلأكبادِ تَفطيرا قَد كانَ دَهرُكَ إِن تأمُرهُ مُمتَثِلاً فَرَدّكَ الدَهرُ مَنهيّاً وَمأمورا وقد ذكر المؤرخ المقريزي أن المعتمد آخر ملوك بني العباد في الأندلس كان متزوجاً من جارية اسمها(اعتماد) وكان يحبها حباً جمّاً ويعاملها برفق ولين، ويحرص على إرضائها وتلبية جميع رغباتها، وذات يوم أطلّت من شُرفة القصر فرأت القرويات يمشين في الطين فاشتهت أن تمشي هي أيضاً في الطين، وخاصة أنها كانت جارية قبل أن تتزوجه، حدّثت زوجها بذلك فخاف على قدميها أن يمسهما الطين.. فألحت عليه فأمر الملك أن يُؤتى بالمسك والعنبر وأنواع الطيب المختلفة، فطُحنت وصُبّت في صالة القصر، ثم أمر أن يأتوا بماء الورد ويصبوه على الطيب، وعجنوه بالأيدي حتى صار كالطين.. وعندها جاءت اعتماد مع جواريها تتهادى بينهن، فخاضت بقدميها في هذا الطين الذي بلغت أثمانه آلاف الدنانير، وحقّقت رغبتها ومشت في الطين.. وذات يوم سمعت من زوجها كلمة اغضبتها فنظرت إليه وقالت له: والله مارأيت منك خيراً قط... فقال لها المعتمد :ولا يوم الطين...؟ فاستحيت واعتذرت.. . كثيريون يستشهدون بالقصة على نكران المرأة للجميل، ونسيانها مايقدّمه الرجل لها عند أي خطأ يقع منه! وهذه القصة تدل على سَفَه المعتمد، وإسرافه المخيف، والذي جعل ملكه يسقط، وحاله تؤول إلى ما آلت إليه من بؤس هو وأسرته، بل ومجد الأندلس كله.. فقد كان ملوك الطوائف مسرفين، مختلفين، يُعادي بعضهم بعضاً، ويشيخ كل واحد منهم على جزء من البلاد، وهذا سبب سقوط الأندلس. المرأة عاطفية وبنت لحظتها ولكنها أكثر وفاءً وتضحية من الرجل.