ما بين الوطن والغربة.. شباب يفنون حياتهم على مقاعد الدراسة لينالوا أرفع الشهادات من أكبر الجامعات حول العالم، ثم ينتهي بهم الحال في ركب العاطلين أو في وظائف لا تليق بمستواهم العلمي، وقد لا تسمع عنهم أو تدري بما أنجزوه من أبحاث وما حققوه من ابتكارات خلال سنوات من البحث والتحصيل إلا ما ندر. آخرون.. يمتهنون التفاهة ونشر السخف بين أفراد المجتمع، فجعلتهم مواقع التواصل نجوماً أثرياء يتسابق إليهم الشركات والمعلنون فيما يمكن اعتباره تشجيعاً لهم على الاستمرار في هذا النوع من العبث بالأخلاق والقيم. من المؤسف مثلاً.. أن تجد فتاة حاصلة على درجة الماجستير في تقنية النانو لعلاج السرطان تبيع "شاورما" أو "شاي جمر" على قارعة الطريق بانتظار الوظيفة، فيما تتخصص أخرى في "التميلح" على "سناب شات" دون موهبة أو هدف سوى نشر حالة الفراغ والخواء التي تعيشها فتنهال عليها الدعوات لحضور حفلات الافتتاح والتدشين ويتزاحم المئات لمشاهدتها والتصوير معها! من المسؤول عن تحويل معظم أبنائنا إلى شخصيات ممجوجة من هذا النوع هدفها الأهم والوحيد رفع عدد المتابعين والمعجبين مهما بلغت درجة الإسفاف الذي يحشرونه في فيديوهاتهم ومقاطعهم المصورة؟ لا يمكن إلقاء اللوم دائما على مواقع التواصل فهي كغيرها مجرد وسيلة فضّلنا استخدام الجانب الأسوأ فيها، ولا حتى على القنوات التي تحرص على تلميعهم ووضعهم في صدارة المشهد الاجتماعي، فهي تتحجج دائما بالمقولة الشهيرة "الجمهور عاوز كده" فمن المسؤول إذاً؟ في الحقيقة هناك عدة أسباب لا بد من دراستها والبحث في مضامينها للإجابة عن هذا السؤال، وهي في مجملها تتعلق، بهذا الجيل ومرحلة التحول التي يعيشها مع غياب الوعي الكافي الذي يمنحه القدرة السليمة على التمييز واختيار القدوة الحقيقية عوضاً عن ركوب الموجة "مع الخيل يا شقرا" وملاحقة المشاهير وتتبع أخبارهم وحكاياتهم. صحيح أن هناك نماذج إيجابية نجحت في الخروج عن هذه القاعدة من خلال تقديم محتوى قيم في مجالات إنسانية عدة، لكنهم أقلية وسط هذا السيل الجارف من "المغردين" و"السنابرز" الذين لا قيمة لما يقدمونه حتى في مجال الترفيه الذي تحول لديهم إلى مجرد تهريج. أتعاطف كثيراً مع الآباء العاجزين عن مواكبة التقنية التي أصبحت في متناول أبنائهم، لكنّ هناك من يشجع من هم تحت رعايته عمداً أو جهلاً في سعي محموم نحو تحويلهم إلى مصدر دخل إضافي للعائلة دون مراعاةٍ لصغر سنهم، وأحياناً قد تصل المسألة إلى التغاضي عن تجاوزاتهم في خرق مقيت لواجبات الولاية والرعاية. في الختام.. لا بد على الجهات المختصة أن تعزز فرض وتطبيق المزيد من القوانين التي تحد من هذا الانفلات الواضح، دون الالتفات إلى ما قد ينتج عن ذلك من ضغوط إعلامية غربية انتقدت قبلاً ملاحقتنا لمثل تلك الفئات، فلنا قوانينا وعاداتنا التي لا تقبل بفتاة تتجول بين معالمنا التراثية بملابس غير لائقة، ولا بمراهق يتحدى متابعيه وأصدقائه ليرقص "مكارينا" في شوارعنا.