في ما مضى كانت القصيدة الشعبية تحفل بحضور لافت في الساحة، وترفل بزهو منقطع، ولها زخم هائل وفاعل، كانت حينما تنشر أو تذاع يستقبلها المتلقي بتفاعل ويحفظ ابياتها ويغنيها ويرددها في مجالسه، كانت القصيدة عذبة، وفيها مصداقية، وسلاسة، ومعاني معبرة تستهوي القلوب العطشى للجرس الموسيقي الشعري. ذلك عندما كان يكتبها الشعراء باهتمام بالغ، ويتفننون في حبكها وسبكها، ويبدعون في صياغتها على أسسها وأطرها، التي يجب بناؤها عليها، لتكتسي بالجمال والروعة، والقوة التعبيرية، وتشبع نهم القارئ والمستمع بمعانيها وقوافيها. أمافي زمننا هذا، فإن الشعر يمر بانتكاسة وهو في حالة يرثى لها والقصيدة الشعبية، أصبحت رتيبة وركيكة، ولم تعد كما كانت، وليس سراً، فإن السبب، في تراجع مستواها، يكمن في بعض كتابها، الذين دأبوا على العبث بها، واساءوا لها، وجعلوها في صورة نمطية مريبة، فاقدة مكانتها وقيمتها الأدبية، على غير عادتها. وحتى تعود القصيدة لسابق عهدها بألقها وجمالها ومحتواها، فيجب بناؤهاعلى قواعدها المعروفة: المعنى، تركيب الكلمات المتناغمة، الوزن، القافية، ومن ثم تهذيبها وتنقيحها وتقديمها بمستوى راقٍ، في قالب شعري جميل، يطرب المتلقي ويدعوه للتفاعل معه. أعتقد أن أي نص شعري يخلو من إحدى هذه القواعد الآنفة، يعتبر ناقصاً وفاقداً قيمته الشعرية والإبداعية، ولن يحظى برضا القارئ الذي أصبح يفرق بين الغث والسمين، بفضل الكم المُرسل له عبر مواقع التواصل. إننا عندما نقرأ نتاج بعض الشعراء، وهم كثر ومحسوبون على الشعر والشهرة، نجد أخطاء في قصائدهم، ترقى إلى الخلل والفداحة احياناً، وكأنه لم يعد مهماً الالتزام بمقومات القصيدة. وفي هذا كانوا خاطئين، ونراهم في واد والشعر في واد، وكل ما نقرأه للبعض فارغ من الجمال والإبداع، وماكان يُكتب في حقب زمنية خلت، يظل ويبقى الأفضل والأوفر حظاً بالقبول والإشادة مما يُكتب حالياً، وحتى نكون منصفين هناك أسماء وهي قلّة ما زالت تقدم الشعر الجيد، ونحترمها ونقدرها، ولكن النقيض الغالب، ونرفضه ونمقته وندعو كُتابه لقراءة مانعة وفاحصة وكتابة قصيدة ذات مقومات ومحتوى ثري بالإبداع والجمال، وحتماً سنشهد تعافي الشعر من وعكته، وعودته كما كان في بهائه الماضي وروعته.