لا زالت الصور القديمة لشارع (المتنبي) في بغداد الفكر والإبداع، تحز في خاطري ونحن جميعا نشاهد الموت الذي يتجول بديلا للسياب والجواهري ولميعة عباس عمارة. لم نعد نسمع من تاريخ بغداد الغنائي سوى أغنية (البرتقالة) التي تسيء إلى الفن الراقي وأهله. ثم يمم وجهك إلى دمشق فلن تبصر الذاكرة تاريخا لا ينضب من قصص الحياة الوارفة التي ملأت حلب بغنائها الذي لا يتوقف، لكننا توقفنا وأودعنا محبتنا للأرض التي منحتنا غناءها، نعم أصبحنا نناضل بل نقاتل من أجل فكرة لا نفهمها ولا نعي نهايتها، وها هي الفيحاء عارية من أهلها نساء ورجالا وأطفالا وعصافير لم تجد شجرا تبني أعشاشها، فقد دمرت القلوب الحاقدة بقنابلها التي لا ترحم كل شيء، هل هناك ربيع بلا أطفال وعصافير ونساء ونواعير تغازل الماء؟؟ مصر الحضارة والإبداع التي لا يمر أسبوع إلا ونرى القتل الوحشي يعبث بعمى مبصر في قاهرة المعز، والإسكندرية ومكتبتها الهائلة بأسفارها الموغلة في التاريخ. ما الذي حدث لذاكرتنا ومستقبلنا وأمنياتنا للأجيال القادمة. ليبيا التي رجعت مئات السنين، وكان أول من يشيح بوجهه المناضل من أجل الحرية (عمر المختار) خجلا يتوارى عن العيون. حتى الكويت لؤلؤة الخليج العربي التي نهضت بمجلاتها وسلاسل ترجماتها، أشبه ما تكون قد انزوت. لم يترك الغزاة الجدد وهم يرفعون شعار الإسلام الذي ظلم وتم تشويهه بقصدية خطط لها في غرف الاستخبارات العالمية كرها للعروبة والإسلام على حد سواء. وها هي (صنعا الكروم) وقد جفت ولَم نعد نسمع بالزبيب (الرازقي) ولا أغاني اليمن الذي كان (سعيدا) ومبتهجا. لم يعد كذلك، وقد تنبأ بما حدث شاعر العربية الكبير (البردوني). أين أنت أيها المجروح جرحا غائرا وأين (المقالح) وأناشيده الرائعة؟ لكل وطن عربي جرحه الخاص به، لكن بصيصا من أمل يلوح في الأفق وبشائر الخير ترد من بغداد، حيث ندرك أن العروبة والإسلام حقيقتان متلازمتان، قادرتان على البناء والعطاء للعالم كله. وسلامتكم