يبدو أن الزحام الشديد المزمن في بعض المناطق السياحية الشهيرة في أوروبا أطلق غضباً واستياء من جانب السكان المحليين واتخذ عدم رضاهم أشكالاً مختلفة من الاحتجاج المهذب إلى كتابة "ارجعوا إلى بلادكم" على الجدران، بل لجأ بعضهم إلى ترويع السياح. وعبر جنوب أوروبا، من شوارع برشلونة المزدحمة إلى الأعداد الكبيرة من سفن الرحلات السياحية المكتظة بالركاب في دوبروفنيك بكرواتيا، يشتكي السكان المحليون من أن زيادة كبيرة في حركة السياحة جعلت الحياة لا تطاق بالنسبة لهم. وأذكى هذا الاستياء مخاوف بشأن السياحة أحد أكبر المحركات الاقتصادية في المنطقة ودفع السلطات للتحرك. وتدرس روما تقليص أعداد الزائرين لبعض الأماكن مثل نافورة تريفي. وتخطط دوبروفنيك لتقييد سفن الرحلات السياحية، بينما تخطط برشلونة إلى فرض ضريبة جديدة على السياحة. وفي البندقية سار بعض سكان المدينة الشهر الماضي وسط مجموعة من الزائرين للاحتجاج على السياحة دون ضوابط وهم يرفعون لافتة كتب عليها "مستقبلي هو البندقية". ويخطط النشطاء من الشباب لاحتجاج مماثل في سان سباستيان بشمال أسبانيا في وقت لاحق هذا الشهر. وفي برشلونة حيث يتنامى الغضب منذ فترة تحولت الكتابة على الجدران إلى تهديدات، وكتب على أحد الملصقات "لماذا نطلق عليه موسم السياح ونحن لا نستطيع إطلاق النار عليهم؟". وتدخل رئيس الوزراء الأسباني ماريانو راخوي هذا الأسبوع بعدما تحول الغضب من السياح من الكلام إلى الفعل. وظهر فيديو يتضمن نشطاء ملثمين يوقدون مشاعل خارج مطعم مليء بالسياح في جزيرة بالما دي مايوركا ثم اقتحموا المطعم ونثروا أوراقاً ملونة على الرواد المذعورين. ووصف راخوي النشطاء بأنهم "متطرفون يرتكبون أفعالاً تجافي المنطق". وتشكل السياحة 12 في المئة من اقتصاد إسبانيا. وعرضت فيديوهات مماثلة هذا الأسبوع تحت شعار "السياحة تقتل الأحياء"، وظهر في أحدها مواطنون يغطون رؤوسهم وقد أوقفوا حافلة سياحية في برشلونة وأفرغوا إطاراتها من الهواء ورشوا طلاء على الزجاج الأمامي. وقال سائح هولندي يبلغ من العمر عشرين عاماً "لم نرَ شيئاً مثل هذا من قبل، لكننا سمعنا أن السكان المحليين لا يرحبون بالسياح". وتزايدت حركة السياحة في جنوب أوروبا بشكل كبير على مدى العامين الماضيين لأسباب من بينها أن السياح يفضلون تلك المنطقة على المقاصد السياحية الأخرى في منطقة البحر المتوسط؛ حيث تشكل المخاوف الأمنية مبعث قلق. وقفز عدد الزائرين لأسبانيا 12 في المئة في النصف الأول من 2017 إلى 36.4 مليونا، وتجتذب برشلونة 11 مليون زائر على الأقل سنوياً وتخطط لفرض ضريبة جديدة ستضر بسفن الرحلات السياحية. وارتفع عدد السياح في إيطاليا بنحو واحد في المئة في 2016 إلى حوالي 56 مليونا، لكن فترات الإقامة في الفنادق زادت 4.8 في المئة في النصف الأول من 2017. وارتفع عدد الزائرين الأجانب إلى الأماكن الأثرية في روما وفلورنسا والبندقية 31.5 في المئة فيما بين 2009 و2015. ودفع استياء السكان المحليين السلطات الإيطالية إلى مراقبة السياح بمزيد من الاهتمام، وتسيير دوريات خاصة في وسط روما التاريخي وفرض غرامة على من ينزلون في النافورات. وقلصت سلطات البندقية الدخول إلى مناطق معينة خلال احتفال في يوليو للمرة الأولى في تاريخ المدينة، وذلك بعد وقت قصير من الاحتجاج الذي شهدته شوارع المدينة. واقترح بعض المسؤولين الدخول فقط بتذكرة إلى ساحة مارك التي تكتظ بالناس في فصل الصيف، لكن السكان المحليين والسلطات الوطنية يعارضون ذلك. وقال أليساندرو بريسانللو وهو ممثل من البندقية "لقد فقدت المدينة طابعها تماماً. من المفترض أن يتمكن الجميع من المجيء إلى هنا، لكن هذا الغزو يخلق مشكلات حقيقية لسكان البندقية وللمدينة، إنه ينتج كميات غير محدودة من القمامة والضوضاء". وتدرس السلطات في مدينة دوبروفنيك الكرواتية الواقعة على ساحل البحر الأدرياتي تقليل عدد السفن السياحية التي تتردد على الميناء يومياً إلى اثنين من خمس حالياً نظراً للقلق من الزحام الشديد في موقع تصنفه اليونسكو ضمن التراث العالمي. ويتناقص عدد السكان المحليين في المدينة مع نزوحهم هرباً من الزحام واختناقات حركة المرور والضوضاء. وقال ماتو فرانكوفيتش رئيس بلدية دوبروفنيك "يجب ألا يتكرر مجدداً مجيء أكثر من سفينتين سياحيتين إلى المدينة في نفس الوقت". وشهدت كرواتيا بأكملها زيادة نسبتها 10.5 في المئة في أعداد الزائرين الشهر الماضي مقارنة بما كان عليه الوضع قبل عام بحسب بيانات رابطة السياحة.