تقطعت أواصر التواصل بسبب مواقع التواصل! وقد كان من المخطط لها أن تصل العالم بالعالم، فإذا هي تعزله عن كل ما حوله، ليغرق في إغرائها، ويفتتن بسحرها، فترى القوم في مجلسهم جماعة وهم فرادى! يتحدثون عبر شاشات الأجهزة، ويتناقلون ما تردد فيها من مقاطع وتكرر! مواقع التواصل الاجتماعي لم تعد مجرد مواقع للتواصل، بل غدت إدمانا يعجز المرء عن التخلص منه، ولو استعان بكل طاقم (مستشفى الأمل). فهو ينام معها ويصحو، ويختلي بها حتى في بيت الخلاء، وفي مجالس الأفراح، وفي مجالس العزاء. هياط السوشل ميديا من أشد أمراض العصر خطورة، في ذاتها وفي استخدامها، إلا من رحم الله، وقليل ما هم، هذا.. لك أن تتخيل مدى الحرص في الآونة الأخيرة على (الشواحن) المتنقلة، فلم يقتصر المرء على جواله، بل لا بد من شاحن متنقل بجواره، فهو يخشى أن ينقطع الإرسال، ويصعب الاتصال، لا بالوالدين أو الأبناء، ولا بالأحبة والأصدقاء، ولكن يخشى أن يتأخر في الاطلاع على الواتس، أو أن تفوته تغريدة، أو مقطع يسبقه إليه أحد السباقين في تدوير المقاطع، ما يخل منها بالأخلاق، وما يضحك السن، وما يثير الفتنة، وما يثير العجب، وما ليس له تصنيف فهو مجرد مقطع، تعظم مصيبتك وأنت تتلقاه عشرات المرات من كل صديق وصاحب، وفي كل مجموعة أكان الأعضاء فيها نخبة (أشاوس) أو (كواعب)! هل يمكن لنا أن نسأل أطباء النفس، وعلماء الاجتماع عمّا نشعر به ونعيشه، أهو أمر طبيعي، أم هو حقا إدمان سيوصلنا إلى ما لا ندري ما نهايته؟ إن لمواقع التواصل نفعا وإن لها لحاجة، بل وأحيانا ضرورة، هذا مما لا يمكن أن ينكر، لكن المعيب في هذا هو الغلو في استعمالها، وقد أهلك من كان قبلنا الغلو، كما أخبر صلى الله عليه وآله بذلك فيما صح عنه، وكان تحذيره عليه الصلاة والسلام من الغلو في مناسبة قد لا نعيرها اهتماما، كان ذلك بعد أن التقطت لها حصى الجمرات، وأي شيء في حصى الجمرات ليكون غلوا؟ وهناك غلو مقابل لهذا الغلو وهو إهمال هذه المواقع تماما، والتفاخر أحيانا بأنه لا يستعملها ولا يراها، وليس لها نفع ألبتة! وكل من الطرفين غلو، أحدهما في الاستعمال والآخر في عدمه! وسيتضح لك أن هذا الغلو مهلك لو تابعت بعض المقاطع التي تحذر من إدمان النظر في الجوال، والتي قد يورد مدمنها المهالك، ويكفيك أن تعلم أن كثيرا من أسباب الحوادث المرورية في هذا العصر الحديث هو استعمال الجوال أثناء القيادة. والذي يستعمل جواله ليرسل أو يكتب محادثة أو يقرأ تغريدة، أو يتأمل مقطعا يوتوبيا، لا شك أنه مدمن مواقع التواصل. ومهما كان الأمر مهما فإنه ليس أهم من حياة الإنسان وصحته وعافيته وسلامته، وحفظه لماله، وقد تستغرب إذا قلت لك وحفظه لوقته، فهو يظن أنه يحافظ على وقته الثمين حين يستعجل النظر في رسالة، بينما هو في الواقع قد يتأخر ساعات عن مراده، وربما فقد جزءا من صحته أو كل حياته! وكل واحد من المصابين في تلك الحوادث لو سألته لما زاد في جوابه على أنه لم يكن يتوقع النتيجة، ولم يكن يحسب أنها ستقع له، فقد كان موقنا بحرفيته، وقدرته على الانتباه للطريق وللجوال في آن، حتى كان ما كان! والممخضة من هذا أخي الحبيب أن سوء الاستخدام يقضي على منفعة المستخدَم مهما كان نافعا. حتى الدواء الذي يفترض أن يقضي على المرض، فإن سوء استخدامه قد يزيد المرض أو يؤدي إلى مرض أشد منه وأخطر. ويظهر أن هياط السوشل ميديا من أشد أمراض العصر خطورة، في ذاتها وفي استخدامها، إلا من رحم الله، وقليل ما هم، هذا، والله من وراء القصد.