أصبحوا في كل بيت ، وفي كل مقر عمل ، وعلى كل ناصية ، وفي كل جادة ، ووسط كل سوق .. رؤوسهم منكسة ، وأفكارهم مشتتة ، كلماتهم قليلة ، وأيديهم مشغولة ، متصلون مع الأجهزة منفصلون عن ما حولهم. أعرفتموهم ! إنهم المدمنون الجدد…مدمنوا الأجهزة ومواقع التواصل.لم تعد المسألة مجرد هواية أو عادة اختيارية ، بل أضحت مرضا مزمنا ومتلازمة قاهرة. وفي تعريف الإدمان : ( انه الاعتياد على شيء ما وعدم القدرة على تركه ). وهذا ينطبق على كل إدمان ، ابتداء بالأكل ومرورا بالقنوات الفضائية وليس انتهاء بالأجهزة الذكية. أما الدراسات العالمية فتقول في تعريف إدمان الانترنت : أن من يستخدم الانترنت 20 ساعة أسبوعيا يعد مدمنا ، وهذا بمعدل ثلاث ساعات يوميا. فما بالكم بالذي يقضي سواد ليله وسحابة نهاره وهو يرافق التويتر ، ويرسل على الواتس ، ويرد على البلاك ، ويُحَمل صورا على الانستجرام ، ويتصفح الكيك ، ويشاهد اليويتوب. كل ذلك وأنشطة حياته الحقيقية معطلة..لا يباشر منها إلا الضروري الملح ، وهذا أيضا قد يؤديه بأقل قدر من الاهتمام وأكبر قدر من التذمر والنقمة.. ومن مؤشرات هذا الإدمان إصابة المرء بالقلق والتوتر حال انقطاعه عن استخدام النت أو الأجهزة ، وشعوره بالفقد والضياع ، ثم ابتهاجه وسروره حال العودة له . كل ذلك له تأثيرات صحية جلية وضحها الأطباء تتمثل في أمراض العظام وخاصة آلام الرقبة المزمنة وإجهاد العينين ، إضافة إلى تأثير الموجات الكهرومغناطيسية التي تصدر من تلك الأجهزة على الدماغ وما تحدثه فيه من تشويش وتشتيت. أما الآثار النفسية فلا تعد ، وأشدها خطرا الاكتئاب ، الذي يصيب كل من ابتلي بإدمان الأجهزة ومواقع التواصل ، والنت بشكل عام . وأما الضحية الكبرى لكل ما سبق فهو العلاقات الاجتماعية التي أهدر دمها على مذبح هذه الأجهزة ، وكانت أسهل وأخف ما يضحى بوقته. وأضحت الأسرة تجلس سويا في حجرة واحدة وكل منهم يبحر في عالمه الافتراضي القصي ، سابحا بفكره ووجدانه بعيدا عن كل ما حوله وكل من حوله. وصمت الأصدقاء بعد ضجيج ، وهدأت المناسبات العائلية فكل حضر ليجلس مع جهازه لا ليجلس مع أقاربه. لم تعد هناك أولويات أو اهتمامات جادة في الحياة ، كل الوقت الفائض لأنفسنا بعد الأعمال أصبحنا ننفقه ونصبه على هذه الأجهزة وتلك. إنك حين تقبع خلف شاشتك أغلب ساعات نهارك ، منفصلا عما حولك ، ذاهلا عن شؤون حياتك الواقعية ، تأكد أنك لن تغير العالم ، وإنما أنت تهدر وقتك وتبدد مصالحك انسياقا خلف بريق أغلبه وهم. وتأكد أن الذين غيروا العالم لم يقبعوا في بيوتهم خلف شاشاتهم وفي معتزلاتهم ، بل نزلوا إلى ميدان الحياة ، وقلب الواقع ، تواصلوا طبيعيا مع أفراد مجتمعهم ، عملوا وأنتجوا فعليا . ومع أن الانترنت وما تبعه من مواقع وأجهزة ، تعد إنجازات بشرية غير مسبوقة ، إلا أن سوء استعمالها ، يعد كارثة بشرية أيضا ، وخاصة إن تعلق الأمر بالأجيال الناشئة التي بدأت هذه الأجهزة تشكل عقولها وشخصيتها وكل حياتها بشكل تغلب عليه السلبية . ختاما : انتبهوا من الإدمان وعودوا إلى أنشطة حياتكم الطبيعية ، تواصلوا مع أحبتكم واقعيا ، مارسوا الرياضة ، اقرؤوا فالقراءة تمنحنا حياة أخرى. رحمة العتيبي رابط الخبر بصحيفة الوئام: المدمنون الجدد!