لم تكن رواية "هياء" رواية نسوية لأنها حكاية عن قمع النساء وإدانة المجتمع فقط، بل لأن الرؤية النسوية واضحة أيضا في التعامل مع النماذج الذكورية في العمل. وعلى عادة الكثير من الروايات النسوية يتم إقصاء الشخصيات الذكورية وتغييب صوتها. ومن هنا فقد غلب توظيف الراوي العليم عند تقديم تلك الشخصيات، ويمكن أن يتخلل ذلك أحيانا صوت الشخصية حينما تستعيد الذاكرة كما حصل مع "جمال" الذي يحضر صوته غالبا مع التذكر / المونولوج. وفيما عدا ذلك فقد حضرت الشخصيات الذكورية بصفتها مرويا عنها لتظل مغيبة ومهمشة في خلفية السرد، وذات حضور باهت وغير فاعل. إضافة إلى ذلك حملت الشخصيات الذكورية الكثير من السلبية والتشويه، ف "جمال" الذي يحتل مساحة لا بأس بها من السرد، يحمل الكثير من العقد ومركبات النقص، وضحية زواج مختلط بين سعودي وغير سعودية، واختفاء أبيه بالموت مما أدى إلى عدم الاعتراف بجنسيته. وقد ظل خاضعا لنسق الثقافة ومفاهيم الذكورة، فرغم تفوقه الدراسي وتعلمه في الغرب إلا أنه عاد وتزوج زواجا تقليديا، وقبل بعلاقة خارج الزواج مؤمنا بفكرة التعدد ومستندا إلى أن الشرع بجانبه، وفي النهاية رفض الاعتراف بأخته رغم ثبوت الدلائل. نموذج الزوج كان أيضا مساحة لطرح إشكاليات المجتمع الناجمة عن قيم ثقافية راسخة، فزوج منيرة المريض نفسيا يمارس اضطهاده لها وينتهي بحرقها مع أولاده دون أن يعاقبه المجتمع أو يلتفت إلى خطورته. أما "عبد العزيز" زوج شيخة فإنه رغم طيبته إلا أن حضوره كان باهتا عبر إشارات مقتضبة وسريعة في ذاكرة شيخة، وتقوم الكاتبة بإقصائه عبر الموت المبكر، بل إن العمل يشكك في تلك الطيبة حين يكشف السرد عن زواجه السري وتخليه عن زوجته وابنه الذي ظل طيلة حياته يعاني عواقب ذلك. كان "الحبيب" أيضا نموذجا سلبيا يمثل تماما العقلية الذكورية وثقافة المجتمع، وكان حضوره باهتا، عبر رسالتين يرسل هو إحداهما إلى "هياء" والثانية ترسلها هي بدورها له. وهنا يحضر كل منهما بصوته غبر السرد الذاتي ليقوم التعرض بين وجهتي النظر ويتضح حجم المفارقة ومدى التناقض بين رؤية كل من الرجل والمرأة للحب . "عبد العزيز" / الحبيب لا يرى في الفتاة غير جسدها، ولا يعترف إلا بحسية العلاقة، أناني يتماهى تماما مع نظرة المجتمع الذكورية للمرأة، وحين يخفق في تحقيق رغباته يتخلى عن الحبيبة دونما مبرر ودونما سابق إنذار. ومن ثم لم يكن ممكنا تحقيق الحب كقيمة إيجابية ومثالية – كما تراه "هياء" - في ظل هذا التناقض الكبير، ومن ثم يكون لذلك دوره الفاعل في تشويه شخصيتها وإحساسها بالعجز. "الأب" هو النموذج السلبي الأخير ضمن النماذج الذكورية، فهو خاضع لزوجته التي تسيء معاملة بناته، مكابر لا يعترف بعاطفته، ومن ثم فإن لحظات الحنان التي كان يبديها لبناته نادرة ومسروقة، وكأنه بذلك يتماشى مع ثقافة المجتمع التي تشفق على الرجل الذي لا ينجب غير الإناث وينظر إليه نظرة غيها الكثير من الشفقة أو السخرية، فلا يكون همه غير التخلص منهن عبر تزويجهن. وبذلك تجمع الرواية مختلف النماذج الذكورية التي يمكن أن تحيط بالمرأة ويمكن أن يكون لها تأثير في حياتها، وكلها نماذج مشوهة وسلبية. ويلاحظ أن تلك النماذج لا يحضر صوتها مباشرة – عدا جمال في بعض المواقف كما سبقت الإشارة. وغالبا ما يتم التبئير على تلك النماذج من خلال الراوي العليم الذي يتماهى مع رؤية الكاتبة، أو من خلال النماذج النسوية الأخرى التي لا تبرز غير السلبي وتماهي الجل مع ثقافة ذكورية لا تفعل غير قمع المرأة أو حصارها أو قتلها ماديا أو معنويا. من كل ما سبق يمكن القول إن رواية "هياء" رواية نسوية تسعى إلى إدانة المجتمع والقيم الذكورية دون مصادمة مباشرة، وتختصر الكاتبة رؤيتها وموقفها من الرجل في عبارة على لسان الراوي العليم الذي يتماهى معها: "جمال مثل كل الرجال لا يقبل الخسارة"، ومن ثم فإن كل الخسارات كانت خسارات نسائية دون استثناء. من هنا يهيمن الصوت الواحد على العمل، ومن هنا أيضا تنطق الكاتبة شيخة بوجهة نظرها الخاصة حين تقول على لسانها: "كل الأشياء المؤنثة موسومة بالنقصان"، لتكشف من خلال هذه الجملة نسق الثقافة في التعامل مع المرأة، وتختصر من خلالها رؤية المجتمع والرواية والكاتبة في الوقت نفسه. د. زينب إبراهيم