"أسعد اللحظات بالنسبة لي هي عندما أكون في الطائرة لأنني لن أتلقى اتصالات عمل ولست مطالباً بالرد على الإيميلات وقتها"، أتذكر تلك الكلمات لصديقي الياباني المسؤول في إحدى الشركات الكبرى في مطلع الألفية، وأتساءل كيف هي مشاعره الآن وقد اقتحمت شبكات الواي فاي الطائرات وأصبح من الممكن التواصل مع العالم الخارجي وإنجاز الأعمال حتى داخل الطائرة.. مقالة اليوم تستعرض كيف أصبحت الإيميلات جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية حتى في أوقات الراحة والإجازات.. في مايو الماضي نشرت شركة Reachmail المتخصصة في التسويق عبر الإيميلات بيانات عن دراسة أجرتها على ألف شخص من الموظفين في قطاع الأعمال عن واقع استخدام الإيميلات خارج ساعات الدوام، وكانت أهم النتائج كالتالي: يرى 54% أن عدد إيميلات العمل التي يتم استقبالها وإرسالها ازدادت مقارنة بعددها قبل ثلاث سنوات، في حين يرى 14% فقط أن الإيميلات نقص عددها. ولعل هذه الأرقام مهمة خاصة مع ازدياد وتيرة استخدام تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي وإدارة المشاريع. 75 % من العينة سبق لهم إرسال إيميلات عمل بعد السادسة مساء أو يرسلون دائما، و23% من العينة أرسلوا إيميلات عمل بعد منتصف الليل. حوالي ستين بالمئة يراجعون إيميلاتهم خلال الإجازات بينما حوالي أربعين بالمئة لا ينظرون إلى الإيميلات إطلاقا. الأشخاص الذين لا تبقى لديهم إيميلات عمل تستدعي إجراء في حساباتهم يراجعون الإيميلات خمس وعشرين مرة يوميا. الرجال أكثر ميلاً للعمل والتعامل بالإيميلات في الإجازات وبعد ساعات الدوام من النساء. لاحظ أن هذه المقالة تتحدث عن التعامل مع إيميلات العمل، فما بالك بالتعامل مع رسائل وسائل التواصل الاجتماعي؟ صحيح أن الحياة أصبحت أكثر عملية باستخدام هذه التطبيقات حتى في العمل، ولكن وبالمقابل فلم يعد هنالك مفهوم حقيقي لمسمى ساعات الدوام، فوتيرة الحياة المتسارعة والتنافس القوي عالمياً في القطاعات الحكومية والخاصة وغيرها تفرض هذا النمط من العمل. وأعرف أشخاصاً فقدوا القدرة على التلذذ بالحياة الواقعية مع الأسرة والأصدقاء وأصبحت حياتهم كلها مرتبطة بنقاشات العمل في مجموعات الواتساب.. ونصيحتي لكل من غرقوا في محيطات التواصل بالإيميلات والتطبيقات سواء للعمل أو الترفيه بأن الحياة غالية وثمينة ولحظاتها معدودة فلا تنسوا الموازنة بين إتقان العمل والحياة العائلية والشخصية. وختاما، أتذكر كلمات جدي -رحمه الله- عندما رأى المقابر ودعا لساكنيها ثم قال: "كل هؤلاء رحلوا عن الدنيا ولم يكن لديهم الوقت الكافي لينهوا أعمالهم!".