من المعروف أيضا أن المخابرات الروسية نظمت في عقدي الخمسينات والستينات تجارب سرية لتنويم الجماهير عن بعد في ساحات موسكو.. ولكنها بعد عامين من المحاولة اقتنعت بأن التنويم المغناطيسي لايحدث الا في حالة المواجهة الشخصية واستعداد "الضحية" للخضوع لهذا النوع من الممارسة (رغم أنني شاهدت عرضا لرجل يمارس عن بعد التنويم المغناطيسي على الجمهور ويجعلهم يتساقطون نياما الواحد تلو الآخر).. ومن جهة أخرى لا ننسى أن هناك شخصيات تاريخية معروفة امتلكت القدرة على التأثير على الآخرين عن بعد (بما في ذلك المجاميع) والإيحاء لهم بفعل هذا الشيء أو ذاك .. ولعل أقوى نموذج يمكن الاستشهاد به (وسبق أن مررت به في مقال يدعى سياسة العرافين) هو العراف الألماني وولف ميتسنخ .. فمنذ طفولته اكتشف ميتسنخ قدرته على غسل ادمغة الناس والايحاء اليهم بما يريد . فحين كان طفلا تعلق بقطار مسافر الى برلين واختبأ تحت احد المقاعد . ولكن جامع التذاكر رآه فقدم اليه ميتسنخ قصاصة من جريدة على انها تذكرة. وامام استغرابه ختمها الرجل وقال بهدوء : مادمت تملك تذكرة فلماذا تختبئ! وخلال الحرب العالمية الثانية تنبأ ميتسنخ بهزيمة هتلر وقال ان الدبابات الروسية ستدك برلين. وحين سمع هتلر بهذه النبوءة غضب وأمر بإحضاره حيا او ميتا. وخوفا على حياته هرب الى روسيا وهناك استدعاه ستالين بعد ان سمع بقدرته على التحكم بعقول الناس .. وذات مرة طلب منه الذهاب الى احد البنوك واحضار مائة الف روبل . وخلال ساعة عاد ميتسنخ ومعه المبلغ فسأله ستالين ماذا فعلت؟ ، فقال : قدمت الى موظف البنك ورقة بيضاء على انها شيك منك فصرفها فورا .. وذات يوم فوجئ به ستالين وقد دخل عليه مكتبه الخاص وحين سأله : كيف مررت بين الحراس؟ ابتسم وقال : نومتهم مغناطيسيا ! وقبل ذلك عرفت روسيا شخصية كاريزمية مشابهة تدعى راسبوتين؛ كان رجلا شديد الجاذبية والاقناع سيطر بقدراته الخارقة على عقول العائلة القيصرية.. فقبل الحرب العالمية الأولى كان راسبوتين قد أصبح مستشاراً مقرّباً جداً من القيصر وزوجته الملكة .. وبعد هزيمة الجيش الروسي أمام الجيش الألماني تولى القيصر بنفسه قيادة المعارك وترك السلطة بيد الامبراطورة التي كان راسبوتين قد سيطر على عقلها بالكامل (خصوصا حين تمكن من شفاء ابنها الوحيد من مرض النزف الوراثي الذي لم يكتشف له أحد علاجا).. كان مستشارها المطاع ويملك تأثيرا قوياً على العاملين في البلاط. كان يشرف حتى على الرسائل المتبادلة بينها وبين زوجها وأصبح يتولى نصح القيصر من خلال رسائل ترسل باسم الامبراطورة. هذا النفوذ الذهني الكبير تسبب في عداء بقية الأسرة الحاكمة من عائلة رومانوف لراسبوتين ومحاولة إخراجه من القصر الامبراطوري .. وبعد أن فشلت كافة محاولاتهم لاقناع القيصر والامبراطورة تعاونوا من بعض الوطنيين لاغتياله (من خلال تسميمه ثم تهشيم رأسه وأخيرا اغراقه في النهر حين عجزوا عن قتله) !! ... أنا شخصيا مازلت على قناعتي بأن التنويم المغناطيسي يتطلب ثلاثه عناصر أساسية هي قدرة المؤدي على الإيحاء، وقناعة المتلقي بفكرة التنويم، ووجود اقتراب جسدي كاف بين الطرفين.. وجميعها شروط تتوفر في شخصيات "الكاريزما" !!