تعد المؤتمرات الدولية وقمم القادة فرصة سانحة للدول لتعزيز صورتها وحضورها كعضو فاعل في المجتمع الدولي، وتوسيع دبلوماسيتها الناعمة لتصل إلى عواصم جديدة، حيث تتسابق الدول لاستضافة هذه المناسبات على اختلاف أشكالها وأنواعها انطلاقاً من تلك الأهمية واستشعاراً لهذه الفرصة، كونها تعكس الوجه المشرق للمجتمع في مختلف المجالات العلمية والسياسية والثقافية والاجتماعية. وعبر السنين حرصت المملكة انطلاقاً من دورها الريادي وحراكها الدبلوماسي وعمقها الإستراتيجي على خارطة العالم أن يكون لها قصب السبق في التفاعل مع المجتمع الدولي وقضاياه المتعددة عبر استضافة مؤتمرات دولية وقمما عالمية جعلت المملكة قبلة لزعماء الدول، وبوصلة تتجه إليها كبرى وسائل الإعلام في العالم، وتترقب الشعوب نتائجها وتأثيرات مخرجاتها على حياتهم اليومية وسياسة واقتصاديات بلدانهم. فما إن انتهينا من الزخم الإيجابي الواسع لقمة الرياض عندما احتضنت المملكة أول قمة عربية إسلامية أميركية، حتى أعلن خادم الحرمين الشريفين -يحفظه الله- دعوته الكريمة لدول القرن الأفريقي لحضور قمة سعودية أفريقية بداية العام القادم لتعكس الاهتمام الكبير بالعلاقات مع الدول الأفريقية الممتدة على مدى قرون، في ظل وجود روابط تجارية واستثمارية وتنموية بين السعودية والدول الأفريقية. واليوم يأتي الإعلان عن استضافة الرياض لقمة العشرين في 2020 تتويجاً لجهود المملكة السياسية والاقتصادية على المستوى الإقليمي والدولي لتحتضن قمة كُبرى اقتصاديات العالم المعاصر، في الوقت الذي تتخذ فيه المملكة خطوات متسارعة نحو التحول الوطني والتطلع إلى ريادة اقتصادية واجتماعية جديدة. كل هذا يجعلنا أمام فرصة حقيقة تستدعي توظيف جُل امكانياتنا في سبيل استثمار هذه القمم بما ينعكس إيجاباً على صورة المملكة خارجياً، ورهاناً يجب كسبه في تفعيل دبلوماسيتنا الناعمة لتعزيز التواصل وتعميق أواصر الصداقة، وتسويق المملكة كشريك رئيسي مهم يحمل نوايا سليمة ويحرص على المنفعة المتبادلة لرخاء واستقرار العالم وشعوبه، مما يجعلنا أمام تحدٍ جديد نسابق فيه الزمن للخروج بتظاهرة عالمية مبهرة، والعمل باجتهاد لنعكس الحراك المتسارع والتطور المستمر للمجتمع السعودي اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً. وفي حين يظن البعض بأنه من المبكر التحدث عن هذه القمم والتطرق إلى تفاصيل تنظيمها، إلا أن الوقت أمامنا قصير جداً بحساب صناعة المناسبات الدولية! كما أن كثرة التفاصيل المصاحبة تستوجب علينا البدء من اليوم في التحضير والإعداد والتنسيق بدءاً من تطوير البنية التحتية والمرافق والخدمات العامة التي سيتم تشغيلها خلال القمم، فنجاح أي مؤتمر أو قمة يتوقف على التحضير الجيد ودقة التنظيم. ومع تتابع استضافة هذه القمم قد يكون من المجدي العمل على مشروع برنامج وطني يختص بتنظيم المناسبات الدولية الكبرى يعمل على تقديم صورة نمطية جديدة للرياض وتسويقها كعاصمة للقمم والمؤتمرات الدولية. كما يستهدف بناء وتأهيل فريق وطني يُستقطب له خيرة شبابنا المؤهل والطموح في التخصصات ذات العلاقة، ليكونوا اللبنة الأولى لصناعة المؤتمرات الدولية في المملكة وتدعيم خبراتهم بإيفادهم لمناسبات مشابهة للتعلم والاستفادة من تجارب الدول الأخرى وصقل مواهبهم. ويعمل المشروع مع كافة القطاعات ذات العلاقة وفي وقت مبكر سواء كانت جهات حكومية أو قطاعات خدمية أو مؤسسات عامة لتتضافر جميع الجهود ويستشعر كل طرف بالمسؤولية الكبيرة وتتسق كافة الأعمال، انطلاقاً بوضع خطة عمل ديناميكية تحوي جميع التفاصيل ومسؤوليات كل طرف ومواعيد دقيقة للتنفيذ وفرقا لمتابعة سير الأعمال. من جانب آخر، من شأن هذا المشروع التركيز على التفاصيل الدقيقة التي قد تغفل عنها الجهات الرسمية وتساهم بشكل غير مباشر في التعريف بصورة أكبر عن المجتمع السعودي وحضارة المملكة وثقافتها. والترويج الإبداعي لرؤية المملكة 2030 خصوصاً وأنها تتقاطع مع أهداف هذه القمم في كثير من جوانبها ومبادراتها. ومن تجربة مطلعة، فإن هذه الاستضافة تعد نافذة مهمة للتعرف عن قرب على المملكة توازي ملايين الريالات التي قد تنفق في حملات علاقات عامة! فالاحتكاك الإيجابي بين المشاركين والمجتمع في شتى المرافق خلال القمة سيعزز من حضور المملكة في ذاكرة المشاركين ويخلف انطباعاً إيجابياً يتحدث عنه المشاركون لدى عودتهم إلى أوطانهم مستشهدين بالعديد من التفاصيل الثقافية والاجتماعية التي لامسوها خلال زيارتهم. إن استضافة المملكة لهذه القمم هي حدث علاقات عامة بامتياز يوجب علينا أن نستثمر فيه لنبين للعالم الصورة البهية لتاريخ وحضارة وثقافة المملكة، كقبلة للإسلام والمسلمين، وصاحبة الدور الريادي إقليمياً ودولياً، بدعم قيادة حكيمة وسواعد شباب مخلص وشعب وفي طموح، وكلي يقين بأن هذا الاستثمار الناجح بإذن الله سيسهم برسم صورة أكثر إشراقاً عن المملكة لدى دول العالم وقادته وشعوبه.