من غير المعقول أن نصل إلى ما بعد الألفية وهناك شعوب مازالت تعيش تحت وطأة التخلف والجُور والحياة المُهينة، شعوب تعلق مصيرها بقبضة حاكم جائر، جاهل وفاسد، وكيف لا يكون مُفسداً وهو قد قضى على سُبل الحياة لملايين البشر من شعبه! البدائية والقبلية والتخلُف لا تُورث إلا الدموية والرجعية والحروب المُتلاحقة، ومعنى أن تسعى خلف توحيد أكثر من بقعة جغرافية تحت مظلة حكم يسودها القانون والاستقرار والحياة الكريمة للشعب، يتطلّب أولا أن تقضي على كل العادات الجاهلية، التي نهى عنها الإله ولعل أبرزها العصبية القبلية والعنصرية المُقيتة، فالدين سلوك أخلاقي قبل كل شيء، وكل ما هو شر هو من صنع الإنسان وهذا الإنسان ما هو إلا مُسيء للدين عندما ينتمي له دون أن يطبق السلوك الذي نص إليه، ولطالما عمد الإنسان بإفساد وتغيير الأوامر الإلهية؛ بغية أهوائه أو جهله بعدم فهم دينه. كما أنه من غير المعقول أن نصل إلى ما بعد الألفية وهناك شعوب مازالت تعيش تحت وطأة التخلف والجُور والحياة المُهينة، شعوب تعلق مصيرها بقبضة حاكم جائر، جاهل وفاسد، وكيف لا يكون مُفسداً وهو قد قضى على سُبل الحياة لملايين البشر من شعبِه! ومن هذه الشعوب على سبيل المثال "الشعب اليمني" فمن كان يتصور أن اليمن بتلك العظمة التاريخية أن ينتهي بهِ الحال إلى ما نراه اليوم من انحطاط بكل الأنظمة وكأنها تُضاهي ما قبل الجاهلية الأولى؟ ومن كان يتنبأ لمستقبل حاضنة الحضارات الصيهدية ومملكة سبأ ومملكة حضرموت ومملكة قتبان ومملكة معين ومملكة حمير، أن يصل بهم المطاف من ضمن تصنيف عالمي بامتياز في تفشي الأوبئة والجهل وصولا إلى تحت خط الفقر! أود تذكير القارئ العربي إن نسى كيف كان لليمنيين القدماء حضارة عريقة وكيف ساهمت حضارتهم في تطوير سُبل الحياة، إن كُنا قد نسينا فمظاهر البيئة ستُذكرنا بمن اشتهر ببناء السدود الصغيرة في كل واد وأشهر السدود اليمنية القديمة سد مأرب الحالي، عوضا عن ذلك ازدهرت تجارتهم وكونوا محطات وممالك صغيرة منتشرة في أرجاء الجزيرة العربية مهمتها حماية القوافل، وأسسوا إحدى أهم ممالك العالم القديم المعروفة باسم ممالك القوافل وعرفت بلادهم باسم بلاد العرب السعيدة في كتابات المؤرخين الكلاسيكية، بينما بكتابات المؤرخين المعاصرين ستُعرف بلادهم باليمن التعيس، وكيف لا يكون تعيساً وهو مر بأنظمة فاسدة لا تخشى لومة لائم؟ فأقرب نظام عاصرتُه هو فترة حكم الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح الذي شهد عصرُه بما عُرف بالوحدة اليمنية "اسميا " وما هي إلا "وهم" للوحدة الحقيقية بالمفهوم الشامل، وكان من أبرز تداعيات هذه الوحدة على الشعب اليمني خاصةً راح ضحيتها "الجنوب اليمني" لأن هذه الوحدة جاءت لحاجة سياسية مُلّحة – بمعنى تقوم لمنافع سياسية وغالبية هذه المنافع كانت مفتعلة - إذن الطرفان "علي صالح وسالم البيض رئيس الحزب الجنوبي" قررا بالفعل أن تكون هناك وحدة لليمن، لكن المُتمعن في الأدوات التي اُتخذت لتحقيق هذه الوحدة يعلم جيدا أنها من المُحال أن تنجح وذلك لعدة أسباب لم يكلف علي عبدالله صالح نفسه لدرء خطرها أو حتى معالجتها بكل ضمير، وأولى تلك الأسباب هي موقف المجتمع القبلي والأحزاب الدينية خاصة في شمال اليمن حيث كان موقفهم هو رفض هذه الوحدة بكل المقاييس، والسبب الآخر أن موضوعا مصيريا مثل "الوحدة" يجب أن يخضع لفترة انتقالية يسودها عاملا الوقت والجهد الطويل؛ تمهيدا للدمج وأيضا عنصر الاستقرار لا بتفكيك الخصم الجنوبي بالفتن والقلاقل بين قياداته وإثارة القبلية، وتعقيد الظروف التي تساعد على التناغم بين الشمال والجنوب، لكن علي صالح باختصار كأنما افرج عن مياه سيول جارفة من الشمال نزولا إلى الجنوب وابتلعت كل من صادفها من البشر وكل وادي ذي زرع. وعلى أي حال؛ ذهب الجنوب بكل مقوماته وكوادره وجيشه ومؤسساته إلى صنعاء كما عمد الرئيس المخلوع "علي عبدالله صالح" على تقليص الحقوق لأهالي الجنوب التي تضمن للإنسان العيش بكرامة، وتضييق الخناق على العقول خاصةً وترك المجال للأحزاب الرجعية بأن تقفز على السُلطة وتشطُب القوانين والنُظم من قاموس الشعب بأكمله، وهذه بالتأكيد كانت أحد مخططات الرئيس المخلوع حتى يُعيد الجنوب للقرون البدائية، ولمَ لا؟ فبعض الديكتاتوريين يستفيدون من جهل وتخلف شعوبهم! وحتى يصوّر "علي عبدالله صالح" للتاريخ أنه رمز قد حقق لليمن وحدتها واستقرارها عمِد على ازهاق عشرات الالاف من الأرواح إلى أن استسلمت القيادات الجنوبية وانتهى ما يُسمى بالجنوب. واليمن اليوم كان قاب قوسين أو أدنى أن يلفظ أنفاسه الأخيرة لولا رحمة الله ثم تدخل دول الجوار بقيادة المملكة، وبالحقيقة أن المخلوع علي لم تكن تُحرِّكه المُثل الإنسانية تجاه وحدة اليمن بل كانت تُحرِّكه مصالح شخصية وأذرعٌ خارجية كإيران، فعبث بين الشمال والجنوب وزاد من التعقيد عُقد جديدة محال أن تُحلّ ببساطة؛ فالكوارث المُفتعلة بحق الجنوب تحديدا اعادتهم لقرون إلى الخلف فلا نرى الناس أحياء ولا سُبل للحياة في اليمن بشكل عام، وهذه نتيجة حتميه للتعبئة العقائدية التي قاد لواءها الرئيس المخلوع ذاته، حتى أصبحت جزءاً من ثقافة الكثير من الشعب، فقد عمد على نشر مفهوم الشخصية البهائمية بين جميع الأطراف، فالوعي النهضوي للشعب كان يُسبب له أزمة وتهديدا لسلطته ونفوذه، على الرغم من إمكانية الاقتصاد اليمني بأن ينهض بالتعليم والنواحي الثقافية والعمرانية سابقا قبل قيام الثورة في أواخر 2010م، وعلى الرغم من كل الانتهاكات التي اقترفها بحق هذا الشعب المكلوم، فهو اليوم ضد الحكومة الشرعية ويقود زمام الفوضى مُتحدا مع الميلشيات الحوثية المتمركزة في شمال اليمن، فإلى أين يمضي الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح؟ هل يطمح صالح في تقسيم اليمن فعليا حتى يخلق من الشمال فجوة مُلتهبة خطرة تُمثل الجمهورية الإيرانية، وبالمقابل ليهدد أمن دولة الجوار المملكة العربية السعودية؟