أحياناً أحس بالغضب ممزوجاً بالحسرة من بعض محاورينا وبالذات في قضايانا الوطنية والدفاع عنها، وذلك بسبب ركاكتهم، وضعفهم في مقارعة الحجج والإدلاء بالبراهين.. وأعزو ذلك لعدة أمور. أولها: سوء الاختيار فلست أدري كيف يتم اختيار بعض الأشخاص الذين يتولون الحديث في أمورنا الحساسة وما هي الضوابط والمعايير التي بها يتم الاختيار؟ ثانياً: ضعف الثقافة فإذا كان المحاور ضعيف الثقافة غير عميق الفكر، فلا شك أن جهله سوف يغلب على معارفه، فقد تكون المعلومة التي يريد أن يحاور فيها متوفرة لديه، ولكنه يعجز عن إبرازها، والاستفادة منها، فيظل يلوك، ويعجن، ويردد ويتفأفأ، لأنه يفتقر إلى الثقافة التي تزوده بالدربة، والذلاقة وطلاقة اللسان، فكلما كان المرء واعياً غزير الثقافة فإنه يستطيع أن يبلور رأيه وفكره ويوصل المعلومة بطريقة بليغة مؤثرة في نفس السامع قاطعة لردة فعل المحاور الآخر، حتى وإن كان خصماً الوى، صعب المراس... ثالثاً: عدم التخصيص، فنحن نجد محاورين يخرجون علينا في كل مناسبة، نراهم يتحدثون، في السياسة، والاقتصاد والأدب. والصحة، والزراعة، والدين، والفلسفة، وربما في ارتفاع أسعار الخضروات!! وكأنه لا يوجد في البلد إلا هذا الولد كما يقول المثل الشعبي.. والمفترض أن لا يتحدث متحدث إلا فيما يعنيه ويخصه، وفيما هو متيقن منه قادر على المجادلة فيه، لأنه يعرف أسراره وخباياه، ونحن لدينا والحمد لله متخصصون في مجالات عديدة، مع قدرتهم الثقافية التي تجعلهم قادرين عن الإفصاح بجلاء ووضوح فيما يطرحون.. لدينا اساتذة جامعات، ودارسون في الداخل والخارج وآلاف من أصحاب الشهادات العليا المزودين بالمعرفة الرصينة، والقادرين على المجادلة بروح علمية، وثقافية تجعلهم أكثر قدرة على الإيضاح والإفصاح، والإطاحة بما في رؤوس محاوريهم إذ من المؤكد أنها ستكون هينة على دحضها من قبل أولئك المختصين، وانتزاع سلطة الحوار من أفواههم.. هكذا يجب أن يكون.. وهذا ما تفعله الدول الأخرى، فهي لا تؤمن بعقلية المحاور "الكشكول" الذي يعرف كل شيء، ويحشر أنفه في كل شيء ثم في النهاية لا يقدم شيئاً إلا أنه يسبب لك النرفزة والغثيان عندما تسمعه يردد كلاماً قد لاكه وكرره عشرات المرات وفي أسلوب باهت، وركيك.. وليس خفياً أن الإعلام اليوم هو المادة الفعالة والمؤثرة في تثبيت المفاهيم وترسيخها أو إزالتها ونسخها من العقول، ولكن بشرط أن يكون إعلاماً تتوفر فيه وسائل وشروط النجاح إذ ليس هناك اليوم أكثر تأثيراً من الحوار، والنقاش، والمجادلة وبالذات في حلبة الصراع السياسي. في الغرب لن تجد شخصاً يتحدث في غير تخصصه بل سيكون من المضحك، والمزري أن يتحدث فيما لا علاقة له بتخصصه وتجربته، ومعرفته العلمية ولهذا أوجدوا معاهد متخصصة في فن الحوار. والمجادلة وطريقة الإلقاء بلغة الكلام وبلغة الجسد.. فكم من محاور عُزّ صاحبه في الحوار فانتصر عليه واغتلب، فالمحاور كالمحامي فإن كان قوياً دحض حجة خصمه وإن كان ضعيفاً أضاع قضيته وأضاع حق موكله.. فكثيراً ما تُخسر قضايا وتضيع حقوق بسبب محاور هزيل، أو ضعيف، أو مجادل فاشل، تأتاء مبهوت، يعيد ما قاله، ويقول ما أعاده!! فليت إعلامنا يتنبّه إلى ذلك فيبحث عن من يبيضون الوجه إذا تحدثوا، وسوف يجد مئات القادرين الذين إذا حاوروا بهروا، وإذا جادلوا انتصروا، وإذا خاصموا ظفروا، فالإعلام معركة حقيقية فكم من مشاكس أردته كلمة فأخرسته وقطعت صوته. تماماً كما يردي الرامي الماهر خصمه برصاصته فيصرعه.. حمى الله الوطن.