المشروع التحديثي بكل مكوناته (التحديث، الحداثة، ما بعد الحداثة) يشير إلى التقدم، والتحضّر، وترميم أو إعادة بناء النظم التقليدية إلى أنماط جديدة في مهمة كبرى مع العقل، والقيم، والواقع، مع الاحتفاظ بثوابت المجتمع في مهمات أخرى للحكم، والتقييم، والتوازن؛ فالتحديث ليس تغريباً، أو خروجاً عن سياق الثابت، أو عملية نمو تتقدم بذاتها، ولكنه مشروع غرس ثقافي تشاركي تنويري في ضوء المعرفة، ومشروع نهضوي مادي لمواجهة حالة الجمود والتردد إلى مزيد من الانفتاح، والتغيير نحو الأفضل. فرق كبير بين التحديث كنموذج وأمل تقدمي في حياة المجتمعات والشعوب على كافة المستويات، والفكرية منها تحديداً، وبين التحديث كتجربة أو ظاهرة مادية محسوسة بمشروعاتها التنموية، ولكنها غير كافية، وعلى هذا الأساس كان تشطير الحداثة كمصلح وممارسة ناتج عن تداخلات وتدخلات اختصاصية من منظور مدى قدرة المجتمع على التكيّف مع واقعه الجديد؛ فالسياسي مثلاً ينظر إلى الحداثة ضمن أجندات التكيّف مع الصراع، والتقني في عملية الإنتاج، والاجتماعي من زاوية العلاقات والمتغيرات والمفاهيم وأنماط المعيشة، وبالتالي الحداثة كمفهوم مشروع في حياة الإنسان فضلاً عن المجتمعات ليس مختلفاً عليه، ولكن تطبيقه ترك ثغرة بين من يريد أن يمضي في طريق التغيير، وبين من التبس عليه أو تردد أو رفض بمبررات لا يمكن تجاهلها، وفي الوقت نفسه لا يمكن التسليم بمنطوقها. إذاً العقلية في أي مجتمع هي محور الحداثة، فالمجتمع التقليدي لا يزال تجريبياً، محافظاً، أسطورياً، بينما في المجتمع الحديث يؤمن بالعلم والتقدم، وإعلاء قيم التعليم، وانصهار الأفكار وتفاعلها، وتمييز الدنيوي عن المقدس، والتعددية، والشعور بالتفوق، وهذه المؤشرات ليست للحكم، أو تجاوزاً على خصوصية مجتمع ما، ولكنها للتأمل في المخرجات التي تقود في النهاية إلى ما هو مطلوب في زمن محدود. نحن في المملكة نخب ومفكرين ومثقفين تقاسمنا الحديث مطولاً عن الحداثة والتحديث، وانقسمنا في تفسيرات وتحليلات وآراء.. ولكن اللافت أن الوقت الذي قضيناه في محاولات مجذّرة للفهم والمشاركة حسمه الجيل الحالي بواقع الممارسة التي تجاوزت حتى تقليدية المنظرين للواقع. جيل الرؤية السعودية الجديدة مختلف، ومبهر، وطموح، ومتصالح مع واقعه، ومنفتح نحو الآخر، ومتعدد الثقافات، والآراء، ويريد فعلاً أن يمضي إلى مستقبله، وحياته الطبيعية، ولن يقضي وقته مأزوماً مع الحداثة، ولكنه مهموم كيف يكون شريكاً فيها، ومنطلقاً معها، ولصيقاً بها، وكل ما حولنا شاهد على أن الجيل الصاعد في السعودية مستقل بأفكاره، ومتمسك بقيمه وثوابته، ومحب لوطنه.