حربان مشهورتان تجاريا حدثتا فى منتصف القرن التاسع عشر، واشتهرتا باسم «حروب الأفيون». الأولى كانت بين عامى (1839 1842م) بين بريطانياوالصين، والثانية بين عامى (1856 1860 م) بين بريطانيا وفرنسا في طرف واحد والصين على الطرف الآخر. وكان السبب الرئيسي وراء تلك الحروب هو قيام التجار البريطانيين وبعض الشركات تحت حماية بريطانية وأوروبية باستيراد الأفيون إلى الصين بشكل غير قانوني، مما جعل الحكومة الصينية تتدخل في محاولة لحماية شعبها ومستقبل شبابها بمنع المتاجرة في الأفيون ومنع استيراده بواسطة التجار البريطانيين والأوروبيين. تلك الحروب التى أخضعت الحكومة الصينية لاتفاقيتين تجاريتين فى كل من عام (1858م) و(1860م) لم ينسها الشعب الصيني حتى اليوم، وتعطي انطباعا واضحا عن الأرباح الهائلة التي كانت تجنيها الشركات والتجار البريطانيون والأوروبيون وحكوماتهم من هذه التجارة المدمرة. تذكرت هذا التاريخ عندما طالعتنا الصحف المحلية بنجاح الجهود المباركة لوزارة الداخلية في القبض على عدد من المتورطين في عمليات تهريب وترويج مخدرات فتاكة بكميات كبيرة، قدرت قيمتها بأكثر من ملياري ريال سعودى (ألفين مليون ريال). أمر خطير جدا ومرعب وليس بالهين، يستهدف شباب هذا الوطن وبالتالى مستقبله ومسيرته. تهريب المخدرات الفتاكة بهذة الكميات الهائلة ما هو إلا أبشع أنواع الإرهاب الذى يصل خطره وأثره إلى أبعد من خطر أسلحة الدمار الشامل. ويذكرنا بتجارة الأفيون التي ذكرناها سابقا والتي كانت تهدف إلى تدمير الشعب الصيني عن طريق الإدمان. فالمخدرات هي أسهل طريق لتدمير مستقبل الشعوب والأمم بالقضاء على عقول شبابها وصحتهم. ثمانمائة وتسعة وأربعون مجرما من المهربين والمروجين، ينتمون إلى اثنتين وثلاثين جنسية مختلفة، وبينهم عدد كبير من السعوديين، تم القبض عليهم متلبسين بجريمة تهريب كمية مخيفة من الحشيش والهروين والحبوب المخدرة الفتاكة، تصل قيمتها إلى أكثر من ألفي مليون ريال، كما ضبط معهم أكثر من اثني عشرة مليون ريال نقدا، وعدد كبير من مختلف الأسلحة الخفيفة. نحن إذن في حرب حقيقية مع هؤلاء العتاة وما يمثلونه من إرهاب، ولابد لنا من مضاعفة الحذر، فقد يكون ماتم ضبطه لا يمثل سوى نسبة محدودة مما يتم تهريبه فعلا إلى داخل الوطن. لذلك من واجبنا أن نقف جميعا صفا واحدا مع رجال وزارة الداخلية ورجال الأمن البواسل، الذين يضحون بأرواحهم وأنفسهم في محاولة نبيلة لمواجهة ووقف هذا الإرهاب الحقيقي والتغلغل الإجرامي المدمر. لا أشك في أن نسبة كبيرة من حوادث السيارات القاتلة، وكذلك نسبة ربما أكبر من حوادث الاعتداءات الشخصية والسرقات المنزلية المسلحة، سببها المباشر أو غير المباشر هو تعاطي المخدرات الفتاكة بمختلف أنواعها وطرق تناولها. وكم أتمنى أن تحدد الجهات الأمنية والإعلامية فترة زمنية لا تقل عن شهر من كل عام، نرفع فيه شعار محاربة المخدرات، وتوعية شباب الوطن وتحذيرهم بكل الوسائل من هؤلاء الذين ينوون بهم شرا ويسعون إلى تدميرهم عن طريق المخدرات. ولا ننسى أن يقوم خلال ذلك الشهر المحدد من كل عام أئمة المساجد في خطب يوم الجمعة والحلقات الدراسية الدينية المسائية في نصح الشباب وتوعيتهم وحثهم على الحذر والانتباه من مساوئ المخدرات وتنافيها مع تعاليم الدين الحنيف. لابد لنا من فرض أشد العقوبات وأقساها على جميع المهربين والمروجين ومن يقف خلفهم أو يمولهم، والتشهير بهم بصورهم وأسمائهم وجنسياتهم، ومتابعة ورصد مصادر تمويلهم وتجفيفها تماما.. أدعو الله أن يحمي هذا البلد الأمين من هذا الإرهاب الشرس وآثاره وتداعياته، ومن جميع ذوي الضمائر الميتة.