في هذه الحياة جميعنا يَدّعي الإنسانية وحب فعل الخير من منطلق إنساني. لكن حينما نمعن النظر في سلوكيات الناس نجد أكثرهم يبحث عن المقابل من وراء عطائه إما بحثاً عن السمعة والرياء أو حب المديح في أضعف الأحوال. ومَعَ الأسف بعضنا يبقى يتلصص على عطائه ويمن به ورُبما يؤذي صاحبه متناسيًا قوله تعالى: ( الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنًّا وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ* ) البقرة، آية 262. قليلٌ مِنّا مَن يعطي في الحقيقة ثم ينسى أو يتغافل عن عطائه مكتفياً بالمثوبة التي سيجدها بعد مدى بعيد من العمر في حياة أخرى. يَنْدر مَن يعطي مُتمنياً قبول الله وحده لعمله مؤديًا واجبه الديني تجاه خالقه. دون أن ينتظر عطاءً مِن الطرف المُقابل البشري الذي قدم له المعونة، مُتمثلاً قوله تعالى ( لا نريد منكم جزاء ولا شكورا ) الإنسان آية 9 . ما أجمل ذلك الإنسان الذي يُعطي وهو يدرك تماماً أن مِن واجباته الإنسانية أن يعطي ويُقدم ويستمر في ذلك، فإن لمْ يفعلْ فهو مُقصرٌ في حق وجوده الإنساني. يا أيها الإنسان المغرور إن مشاعر الناس ليست لعبة بين يديك، إنهم يشعرون بك؛ ويفهمون نواياك؛ ولا يحبون الأذى أو الشهرة على حسابهم، فلديهم كرامة واعتزاز على الرغم من عوزهم. يقول عنترة العبسي: لا تسقني ماء الحياة بذلة بل فاسقني بالعز كأس الحنظل وأجمل الناس مَن يراقب عطاءه بمكر جميل كي يعرفَ هل انقضت حاجة المحتاج، فيعلم مدى اكتفائه بها من عدمه، كي يواصل معونته ولا تتوقف تجاه المحتاج. وأجمل مِنهُ مَن يرى غيره يصعد سلم النجاح فيصفق له ويدعمه ويثني على خطواته وكأن النجاح نجاحه، فلا حسد سلوكي ولا بخل معنوي. راقبْ توجهاتك وأفكارك ومشاعرك قبل أن تصبح جزءاً من سلوكياتك، والأخطر أن تتحول إلى عادات لازمة لا تستطيع الفكاك منها أبداً ما حييتَ، فتخسر قيمة الأجر من كل أعمالك وتخسر حياتك الحقيقية القادمة.