كلما غرست نبتا واستقوى عوده, جلدني بأغصانه التي أورقت من ماء دمي. هكذا أنا .. حقل يهدي أزهاره للريح, لتبعثرها كيفما تشاء, ثم تبادلني العطاء .. بالجفاء. جحودا يغرس في صدري الحسرة والألم والدهشة والصدمة. أغرس زهرة آملاً في التمتع بأريجها فلا أجني غير الشوك. أغرس كلمة كي أرقب نمو فكرها فلا أجني غير الجفاف. وأغرس حباً كي يبني قصراً للبهجة, فلا أرى حولي غير بيوت مهجورة من الفرح. هكذا أنا .. منذ أن عشقت الحياة والناس والعطاء والحرية. أرفض أن أستعبد إحساس الآخرين. أرفض أن أجير جهلهم لترسيخ عبوديتهم. فأحاول أن أخلق أحراراً كي لا أكون عبداً لخنوعهم لي. وأحاول أن أخلق أقوياء كي لا أكون ذليلاً أمام ضعفهم أمامي. وأحاول أن أخلق شرفاء فلا أكون شريفاً بين من لا كرامة لهم. هكذا أنا .. رحيق يصنع منه الجاحدون عسلاً يسكبونه في حنجرة من يمنحهم الشوك. ويكون نصيبي منهم دائماً: بعضاً من الشوك الذي استحقوه مقابل ما أخذوه من رحيقي, وقد أسقيتهم من أحلى عسل فكري ومعرفتي وعطائي. منحوني .. الجفاء المر لأني منحتهم العطاء العذب. وسقوني من كأس النكران والجحود علقماً يغص بحنجرتي كلما تخيلت صورهم أمامي. لا أدري .. هل الجحود سمة كل الناس؟ أم أنها سمة الضعفاء .. فقط؟ هل الجحود .. عقاب مؤلم من الجاحد للمجحود, وكأن الجاحد يقول للمجحود: لقد غرست النبتة الخطأ ولم تختار النبتة التي تستحق الغرس؟ هل الجاحد: نبتة حنظل..؟! وكأن على المجحود أن يبحث عن نخلة كي يغرسها ويسقيها بدلاً من شجرة الحنظل؟ وكيف يعرف الإنسان عندما ينوي غرس نبتة أنها لن تتحول إلى حنظلة؟ هكذا أنا .. صرت رمزاً لخيبات الأمل. بعض الذين أحببتهم .. خذلوني. بعض الذين غرستهم .. نمت أغصانهم فجلدوني. بعض الذين آزرتهم ... استقوت عضلاتهم فركلوني. بعض الذين صدِقت معهم .. صدّقوني ثم صدّقوني .. وعندما طالت ألسنتهم: كذّبوني! الإنسان الذي يعطي دون أن ينتظر المقابل لا يسأل أجراً من هؤلاء الجاحدين وإنما يرجو اجر الله .. ولكن! ... هل يغفر الله لإنسان أعطى لجاحد؟! الإنسان الجميل عندما يعطي, يملأه الأمل شغفاً برؤية ما غرسته يداه وهي تثمر للحياة ثمراً جميلاً تفوح رائحته الزكية ويعم عطاؤه, وعندما يرى يده تلتف حولها أغصان النبتة الجاحدة لتقطعها أو لكي تقذف بها, فإن النفس لا بد أن تضطرب ويلمها الحزن.. ليس بسبب طمع في عطاء نبتة جاحدة, وإنما لأن يد المجحود غرست في مكانٍ غير خصب للغرس!! هكذا أنا ... منذ عشرين عاماً. أغرس في هذا الواقع فكراً .. ولا أرى حولي غير الجهالة. أغرس حباً .. وتلوح في أفق واقعي ... كراهية. أحلم بوطنٍ للجميع ... فلا أجد من يعترف بي مواطناً في وطني! أشفي جراح الناس .. وأتجرع سموم الجحود والنكران والألم!!! أبها 1428 ه سالم اليامي صحيفة صوت الاخدود