قد تنهبر عندما ترى فعاليات مجاهدي خلق أو ما يسمى بالمعارضة الإيرانية في باريس، وما يصاحبها من تنظيم وتغطية إعلامية وحضور شخصيات مهمة، ولكن الحقيقة لا يعرفها إلا المتخصصون، أن مجاهدي خلق يمارسون العنصرية الخمينية نفسها ضد أهلنا في الأحواز المحتلة؛ فهم لا يعترفون بحقوق الأحوازيين في تقرير مصيرهم مع أنهم يدعون الديموقراطية، ولم تتوقف عنصريتهم ضد الأحوازيين فقط بل يمارسونها مع الأكراد والبلوش وغيرهم من الشعوب غير الفارسية، ويرفضون الاعتراف بجرائم النظام الإيراني، وكذلك يؤكدون ويصرون بأن الخليج العربي "فارسياً"، والأخطر من ذلك أنهم لا يعترفون بأن إيران تحتل الجزر الإماراتية الثلاث، ويرون أنها إيرانية. تعتبر منظمة مجاهدي خلق الإيرانية من التنظيمات السياسية الشمولية القديمة، ولها تجربة طويلة في النضال ليس فقط في إيران بل في العالم، تأسست منظمة مجاهدي خلق عام 1965م، وكان هدفها إسقاط الشاه الإيراني، عرف الشارع الإيراني "مجاهدين خلق" لأول مرة من التلفزيون الإيراني أواخر عام 1970م، حيث أعلنت الاستخبارات الإيرانية (السافاك) عن اكتشاف "تنظيم معادي" يريد إسقاط الشاه، وتم اعتقال العشرات من أعضاء هذا التنظيم، وأعدم فيما بعد مؤسسو وعدد من قيادات التنظيم. لم يتوقف التنظيم عن هدفه الرئيسي، وهو إسقاط "شاه إيران"، ويؤكد معظم الذين عاشوا فترة الثورة الخمينية سنة 1979م أن لمجاهدي خلق وأنصاره دور مهم واستراتيجي في عملية إسقاط نظام الشاه، حيث كان يمتلك "التنظيم" قاعدة جماهيرية خاصة في العاصمة الإيرانيةطهران. انطلقت منظمة مجاهدي خلق سياسياً وإعلامياً من باريس بقوة وعزمت على مواصلة نشاطاتها حتى إسقاط النظام الإيراني الحالي، وهذا جيد لكن هناك نقطة جوهرية أصبحت تعترض مشروع مجاهدي خلق السياسي، وهي تراجع الشمولية في إيران.. وبعد "إسقاط الشاه" ظهرت خلافات بينهم وبين الخميني الذي تظاهر بأنه لا أجندة له سوى إنصاف الشعب الإيراني وتحقيق العدالة والتف حوله "الملالي المتشددين" وبدأت مرحلة نقض العهود التي كان قد قطعها الخميني على نفسه، وظهرت نواياه الحقيقية، وهي السيطرة على مقاليد الحكم في إيران والعمل على تصدير الثورة وإيجاد جمهوريات مماثلة في المنطقة على غرار النظام الإيراني، الأمر الذي زاد من الفجوة بين الخميني والتيارات السياسية التي شاركت في الثورة، وكانت تهدف إلى إقامة نظام ديموقراطي في إيران. بدأ الخميني مخططه الدموي للقضاء على رفاق النضال واستخدم الملالي وكوادر "السافاك" وأسس ميليشيات مسلحة أسماها "لجان الثورة"، وكانت مهامها اجتثاث القوى السياسية التي وضعت الخميني على رأس الثورة، وفي الذكرى السنوية الثالثة لانتصار الثورة وتحديداً في فبراير عام 1982م، وصل دور اجتثاث مجاهدي خلق حيث تعرض مقر قيادتها لهجوم عسكري وقتل العشرات من قيادات المنظمة على رأسهم زوجة مسعود رجوي الأولى السيدة "اشرف ربيعي"، ومعها ثاني رجل في قيادة التظيم "موسى خياباني"، واعتقل عشرات الآلاف من أنصار مجاهدي خلق، وبدأ الصراع، ثم قامت الحكومة الإيرانية ضمن هذا الصراع بإعدام عشرات الآلاف من أعضائها والمنتمين إليها، وهاجر الكثير من أنصار مجاهدي خلق إلى أوربا واستقر معظمهم في فرنسا ثم انتقلت قيادة "مجاهدين خلق" إلى العراق سنة 1986م، ومعها الآلاف من أنصارها وشاركوا في الحرب العراقية - الإيرانية بجانب الجيش العراقي، وبعد احتلال العراق عام 2003م تعرضت مخيمات ومعسكرات مجاهدي خلق في "أشرف" و"ليبرتي" لهجمات دموية عدة شنتها ميليشيات شيعية عراقية موالية للنظام الإيراني يقودها عناصر من الحرس الثوري. المنظمة انطلقت سياسياً وإعلامياً من باريس بقوة وعزمت على مواصلة نشاطاتها حتى إسقاط النظام الإيراني الحالي، وهذا جيد لكن هناك نقطة جوهرية أصبحت تعترض مشروع مجاهدي خلق السياسي، وهي تراجع الشمولية في إيران إثر ارتفاع مطالب الشعوب غير الفارسية وحقها في تقرير مصيرها، حيث أن هذه الشعوب هي الأكثر عدداً ويجب على مجاهدي خلق التجاوب مع مطالب هذه الشعوب والعمل معها والنظر لهم كشركاء إذا كانوا فعلاً يريدون الأطاحة بنظام ملالي طهران. منظمة مجاهدي خلق أظهروا مرونة فقط مع الأكراد وقبلوا في برنامجهم السياسي بالحكم الذاتي لكردستان الإيرانية، ولكنهم يرفضون التعامل مع أي أحوازي يطالب بتحرير "إمارة الأحواز"، هل هي العنصرية الفارسية ضد العرب؟ نعم هي، الأحوازيون الذين تحدثت كثيراً مع معظهم يعتبرون "مجاهدي خلق" لا تختلف عن النظام الإيراني الحالي بالنسبة لهم. أعرف جيداً أنه لا توجد حاضنة في الداخل الإيراني لمجاهدي خلق، ولا توجد لهم نشاطات في الداخل كما هي نشاطات الأحوازيين والأكراد والبلوش والاذريين بسبب تشويه صورتهم في الإعلام الإيراني، وساهم بذلك مشاركتهم الجيش العراقي في الحرب على إيران، ولكن لهم علاقات جيدة مع المسؤولين في أوروبا وأميركا، وأتذكر بأن من حكم العراق بعد احتلاله لم يكن لهم حاضنة في العراق، وإنما جاؤوا على الدبابة الأميركية. أتمنى من السيدة مريم رجوي زعيمة "مجاهدي خلق" إعادة حساباتها، وأن تأخذ بعين الاعتبار التحول الفكري والسياسي الذي حدث في العقود الماضية، وأن الشمولية تراجعت في إيران وتعمل مع الشعوب غير الفارسية، كشركاء لإسقاط "ملالي طهران"، فتضحيات هذه الشعوب لا تقل عن تضحيات "مجاهدي خلق"، وأن هذه الشعوب تشكل حوالي 70% من خارطة إيران الجغرافية والسكانية، والأهم الاعتراف باحتلال جزر الإمارات الثلاث بشكل علني. وأخيراً أقول لمن يريد إسقاط نظام ملالي طهران: "مجاهدي خلق" ليسوا الخيار الوحيد ولا تضعوا "بيضكم في سلة واحدة"، وإنما هو خيار تكتيكي وليس استراتيجيا، فهناك الأحوازيون والأكراد والبلوش والأذريون والتركمان ينتظرون من يساندهم لإسقاط خامنئي وزبانيته.