تأسست منظمة مجاهدي خلق الإيرانية سنة 1965 على يد نخبة من الأكاديميين والمثقفين الإيرانيين بهدف إسقاط نظام الشاه محمد رضا بهلوي. وانضم لهم شاب في مقتبل العمر وصعد بسرعة الصاروخ ليكون من قيادييها ويعتقل سنة 1971 وهو في سن الثالثة والعشرين من عمره. إنه مسعود رجوي رجل هذه المنظمة التي استفاد من فترة سجنة لغاية 20 يناير 1979 حيث قامت مخابرات الشاه "السافاك" بتصفية قادة المنظمة الكبار! ليخرج مسعود ويسيطر على المنظمة ويساعد نظام الملالي في استتباب الأمن في طهران وفي إسقاط الشاه. وبدأ ود بين الطرفين لم يدم طويلاً حيث بدأ الملالي مهاجمة مجاهدي خلق من بداية مارس 1980 والتشدد ضدهم. لكن هذه المنظمة لم تيأس وشاركت في الحرب العراقيةالإيرانية بكوادرها لتعلن وطنيتها والتزامها الوطني لكن الملالي لم يريدوا أي شريك لهم حيث تم تصفية حتى بعض المعممين الكبار وبعض المثقفين الذين دعموا الخميني من أمثال أبو الحسن بني صدر أول رئيس منتخب للجمهورية في إيران. وكان خروج عشرات الآلاف من المتظاهرين في طهران ضد الخميني وديكتاتوريته في 20 يونيو 1981 وفضها بالقوة إيذاناً بالتخلص النهائي من مجاهدي خلق وغيرهم بالقوة والبطش والدهاء والمكر والحيلة أيضاً. فتم تدبير انفجار هائل بعد تلك المظاهرات بثمانية أيام في مقر الحزب الجمهوري الإسلامي الحاكم، لتكون الحصيلة أكثر من 70 قتيلاً من بينهم رئيس المحكمة العليا محمد بهشتي الرجل القوي في إيران والدينمو المحرك لها والذي كان أو كاد يكون الأقوى من الجميع. إضافة لأربعة وزراء وبعض أعضاء مجلس الشورى الإيراني فيما خرج علي هاشمي رفسنجاني قبيل الاجتماع بخمس دقائق فقط! ومن هنا يتبادر للذهن أن المدبر الحقيقي للانفجار الهائل هو الخميني نفسه وتلميذه المطيع هاشمي رفسنجاني وقد يكون معه شريكه علي الخامنئي وذلك للتخلص من كل المعارضين له بمن فيهم من هم في السلطة أنفسهم والصاق التهمه بمجاهدين خلق كما قيل. فهرب مسعود رجوي لفرنسا ليبدأ صراع جديد مع نظام الملالي من هناك وسنحت له فرصة ذهبية عندما عقد مشروع سلام مع السيد/ طارق عزيز نائب رئيس وزراء العراق حينها في 9/1/1983 في باريس، في وقت كان العراق في عهد صدام حسين في امس الحاجة لشريك في إيران لوقف النزيف الحاد بشرياً واقتصادياً وتنموياً للعراق نتيجة الحرب العراقيةالإيرانية، لاسيما بعد هزائم العراق في سنة 1982 وانسحابه للحدود الدولية بين البلدين. في حين استمر العداء بين مجاهدي خلق ونظام الملالي القابع في طهران الذي عقد صفقة مع فرنسا أجبرت خلالها مسعود رجوي على مغادرة الأراضي الفرنسية سنة 1986 ولم يجد ملاذًا آمنًا له سوى العراق. فسافر للعراق مضطراً ليستقبله حينها كبار المسئولين العراقيين وعلى رأسهم طه ياسين رمضان نائب رئيس الجمهورية ووزير الدفاع عدنان خير الله ومجموعة من كبار المسؤولين العراقيين في المطار باستقبال حافل ليبدأ الكرم الحاتمي العراقي للمنظمة في حين تحول رجوي من معارض إيراني بارز في أعين المثقفين الفرس إلى عدو لدود وتم تشبيهه بالخنزير في عموم إيران نظراً لالتقائه بصدام حسين الذي يحارب نظام الملالي منذ سنوات في الحرب التي ازهقت أرواح مئات الآلاف من أرواح الشعوب في جغرافية إيران وكانت في ذروتها. مسعود رجوي استغل الدعم المالي الهائل من العراق ليبني جيشاً بعد منحه معسكر اشرف في محافظة ديالى العراقية، خصوصاً في ضوء ما تسرب من منحه إيرادات من 50 الف إلى 70 الف برميل من النفط العراقي يومياً ووصلت المنحة لايرادات 100 ألف برميل عراقي يومياً! كما أنه يملك كاريزما الشخصية القيادية فشكل جيشاً من النساء والرجال معاً وكان خطيباً مفوهًا. وساعد نظام صدام حسين في قمع الانتفاضة عام 1991 فحافظ على علاقته الجيده مع صدام حسين. في حين أن خان صدام حسين ونظامه وتعاون مع الأمريكان سنة 2003 ليحظى بدعم وحماية الأمريكان بعد تأكده بأن نظام صدام حسين زائل لا محالة. وقد تكون الضغوط الغربية سبباً في تغيير المنظمة ورئيسها بوصلة الولاء. ففي عام 1993 قام بتغيير في المسميات ووضع زوجته "مريم رجوي" في القياده بدلاً منه لكسب التعاطف الغربي وتحويل القتال من المعارك العسكرية التي كانت محصورة في نهايات الحرب العراقيةالإيرانية إلى قتال قانوني وفي مجال حقوق الانسان. لكن ذلك لم يمنع نظام الملالي من مواصلة العداء له ولمنظمته لاسيما في عهد الرئيس خاتمي الذي تم في عهده وضع منظمة مجاهدو خلق في قائمة المنظمات الإرهابية أمريكياً عام 1997 وبريطانياً عام 2001 ولدى الاتحاد الأوروبي عام 2002. فبدأت المنظمة صراع قانوني لرفع اسمها من قائمة الإرهاب ولرفع الحظر عن أموالها وحساباتها البنكية. ونجحت في ذلك بعد تسريبات عن التعاون مع الغرب وشراء الولاءات والبذخ في شراء الذمم والتعاون الاستخباراتي معهم مما أدى لنجاحهم في مسعاهم القانوني. واستمرت المنظمة في نشاطاها الإعلامي الواسع وفي شراء الولاءات في مختلف دول العالم بما فيها العربية من مسؤولين حكوميين وبرلمانيين ومسئولين سابقين وشخصيات متنفذة بما فيها من شخصيات دينية شيعية وسنية عربية! وكان حضور الأمير تركي الفيصل لافتاً في يوليو الماضي في اجتماعهم السنوي الذي يدعون له مئات الشخصيات من مختلف دول العالم، وحديثه محط اهتمام العالم. فالمملكة العربية السعودية دولة عربية كبرى ولا أقول تعادي نظام الملالي في طهران، فهي دولة مسالمة لابعد الحدود ولكن نظام الملالي أجبرها على المواجهة وليس أقل من حرب اليمن كدليل على ذلك حيث لا تزال إيران تمد وتدعم المتمردين الحوثيين بالسلاح والمال والخبراء العسكريين واعلامياً وحتى سياسياً! فكان حضور رئيس المخابرات السعودية السابق حدث كبير وغير متوقع لاسيما في خطابه الداعم لمجاهدي خلق، والذي أعلن فيه أن زوجها مسعود رجوى الراحل! في حين أن مجاهدي خلق لا تعلن ولم تؤكد لليوم وفاة مسعود رجوي الذي قاد المنظمة لعشرات السنين. وقد تكون وفاة مسعود رجوي عاملًا مهمًا في تضعضع المنظمة وكثرة المنشقين عنها ولجوئهم لأوروبا او لحضن ملالي طهران أنفسهم. بالإضافة لسيطرة نظام الملالي على العراق بعد عام 2003 والذي حارب المنظمة رغم الحماية الأمريكية لهم بالعراق إلى أن اقتلعهم من معسكر أشرف نواة قوتهم العسكرية وتحولهم لمعسكر آخر "ليبرتي" حسب التسمية الأمريكية. فأصبحت المنظمة في وضع حرج من جديد لاسيما بعد الاتفاق النووي بين الدول 5+1 ونظام الملالي. لكن جاءت وفاة ثعلب السياسة الإيرانية هاشمي رفسنجاني في 8 يناير الحالي لصالح المنظمة من جديد فلقد خسر الملالي رجلًا براغماتيًا مهمًا وتاجرًا فاحش الثراء ذا علاقات متجذرة بالعالم وهو إمبراطور الفستق في العالم. في وقت يعاني فيه نظام الملالي نفسه رغم قوته العسكرية وانتشاره في مناطق صراع عربية مختلفه بصورة مباشرة كما في سورياوالعراق أو بصورة غير مباشرة كما في اليمن! فعربياً كان هاشمي رفسنجاني الرئيس الذي أنهى الصراع مع المملكة العربية السعودية بعد الهجمات السنوية في مواسم الحج من طرف الحجاج الإيرانيين وعملائهم من الدول الأخرى. وعقد معهم الاتفاقيات المختلفة. فهل تكون المنظمة بصيص الأمل لدول المنطقة لاسيما دول مجلس التعاون الخليجي من بعبع الملالي ونظامهم المتشدد؟ أشك في ذلك لأسباب عديدة ومنها ما ذكر بين السطور أعلاه والتي تدل على تحول الولاءات للمنظمة حسب المصلحة الآنية، ومنها أيضاً الصراع العربي الفارسي المتأصل ثقافياً وأدبياً. ففي حين ينادي العرب بالجوار السلمي والمحبة والروابط الإسلامية، كانت إيران ولاتزال تقول شيئاً وتفعل أشياء أخرى مختلفة. فمنذ سقوط الأحواز العربية سنة 1925 بيد الشاه رضا بهلوي لم يتحقق الحلم العربي بحسن جوار معهم. حيث إن أنظمة الحكم المتعاقبه سواء الملكية في عهد الشاه رضا بهلوي وابنه محمد، أو النظام الثيروقراطي القابع على رؤوس العباد لقرابة أربعة عقود وباختلاف رؤسائه واختلاف مرشده الأعلى من الخميني لخامنئي لايزال العداء مستمرًا، ولاتزال مشكلة احتلال الجزر الإماراتية الثلاث قائمة منذ عام 1971، ولا تزال المطالبات بالبحرين من عام 1970 مستمرة، والتهديدات بإغلاق مضيق باب السلام (هرمز حسب التسمية الفارسية) مستمرة لأجل التسبب بالضرر المادي وقطع شريان الحياة الاقتصادي لدول الخليجي العربي والمتمثل في تصدير النفط. وما زاد الطين بلة ما حصل ويحصل في سوريا من حرب عنيفة ضد الشعب السوري. فهل نتصور بعد ذلك أن هناك أمنًا وأمانًا أو حتى بصيص أمل في حال تبوأت منظمة مجاهدي خلق السلطة في طهران؟