بيت الحكم في آل سعود أساسه متين، وعميق، والجميع فيه على قناعة من أن التلاحم والتعاضد والاحترام وتقدير الكبير أساس البقاء، ولا يوجد مصير لأحد بمعزل عن الآخر، ولا يمكن أن يرى الشعب والعالم من هذه الأسرة -رغم تعدادها الكبير-، إلاّ ما يعكس قيمها ومبادئها التي جذّرها الملك المؤسس في أبنائه وأحفاده، وبالتالي أي تغيير أو تحول يطرأ في سلم قيادة هذه الأسرة يستمد قوته من هذه الأسس على نهج من القرآن والسنة. الملك سلمان آخر أبناء الملك عبدالعزيز حكماً، وأكثرهم قراءة للتاريخ وقرباً من تفاصيله، ويشعر في كل مواقفه وقراراته أن والده بين عينيه، وسيرته ونضاله الطويل في توحيد شتات الوطن تحمّله مسؤولية أكبر في تهيئة جيل الأحفاد لمسؤولية الحكم، وقيادة البلاد، حيث بدأ أولاً بتعديل فقرة من المادة الخامسة لنظام الحكم تنص على أبناء الأبناء والأصلح منهم، ثم ترك لهيئة البيعة مسؤولية اختيار ولي العهد بعد التعديل، حيث كان الإجماع غير مسبوق في اختيار الأمير محمد بن سلمان ولياً للعهد نائباً لرئيس مجلس الوزراء واستمراره لوزير الدفاع. هذه السلاسة في ترتيب بيت الحكم بإعفاء ولي عهد واختيار آخر ليست جديدة، ولكن ما بعدها أهم في قراءة المشهد؛ فهذا ولي العهد السابق يبايع الحالي ويدعو له بالتوفيق، وجموع الأمراء والعلماء والوجهاء والمواطنون يتوافدون إلى قصر الصفا لمبايعة الأمير محمد بن سلمان، وأمراء المناطق يأخذون البيعة بالإنابة، والوطن بطوله وعرضه آمن مستقر، والناس تعيش حياتها بشكل طبيعي.. هذا المشهد لا تراه في دول كثيرة، وديمقراطية أيضاً، حيث تشهد مع أي تغيير في الحكم ثورات ومظاهرات وانقسامات وتحزبات، ونزول للجيش وقوات الأمن؛ نحن ولله الحمد لا نعيش هذه التفاصيل، ولا نعرفها؛ لأن بيت آل سعود من الأساس متين، والشعب متوحّد، والمنهج واضح لا لبس فيه. لذا؛ سيبقى مشهد مبايعة الأمير محمد بن نايف لأخيه وابن عمه الأمير محمد بن سلمان شاهداً على أن الوطن يبقى بأمنه واستقراره وطاعة ولي أمره.. والأشخاص يرحلون، وتأكيداً على أن احترام الكبير وتقديره في أسرة آل سعود مخزون للتواضع والقبول ومحبة الناس، والصورة كانت معبرة حينما يتواضع الخَلف للسلف، ويتعانقان في مشهد مؤثر، ويصعب أن تراه في أي مكان، ولكن الكبار يبقون كذلك، والجميع يتعلّم منه أن الأخلاق تسمو وتحلّق بقيمها، وتبقى للتاريخ شاهداً على أن الوطن بخير، ولكن أجمل ما في مشهد العناق والتواضع بعد الفوز، وبعدها مشهد البيعة بين أبناء العم في قصر الصفا.. أن الأعداء ماتوا بغيظهم!.