من أروع ما تقدمه الفعاليات ربط الماضي بالحاضر، ليعيش المجتمع أجواء أجداده، وما تحمله هويتهم من أصالة في عاداتهم وتقاليدهم، ولما لرمضان من أجواء خاصة تميز هذا الشهر الكريم، استطاعت بلدية الوجه أن تجعل من مدينة الوجه القديمة نموذجاً حياً لتراثها الشعبي تنشيطاً للذاكرة الشعبية بتحاور الماضي مع الحاضر، عبر عدة فعاليات منها جلسات يومية مع كبار السن، الذين مارسوا الحياة الاجتماعية يتواصلون شفهياً مع الجيل ويستعيدون ذكريات العادات التي مارسوها في هذه الأيام الفضيلة، والتي تميز الأيام الرمضانية ولياليه عن باقي الأشهر، بتبادل الأحاديث بعد صلاة التراويح في كل ليلة عن كيفية تحري هلال شهر رمضان، وقضاء نهاره، ويوميات أبي نقرة ( المسحراتي) وانتظار أذان المغرب، والألعاب الشعبية، والترابط الأسري والاجتماعي، والأطباق ذات النكهة الرمضانية، حيث لا تظهر على الموائد إلا بحلول رمضان، وتختفي بانقضائه، ويحلو الحديث معهم عن تقسيم أيام رمضان لثلاثة أقسام، ولكل قسم اسم يختص بما يغلب فعله فيه، فالعشر الأولى تسمى (المرق) لأن الناس تقوم بتقديم اللحم فيها بكثرة، والعشر الوسطى تسمى (الخلق) لأن المجتمع يبدأ بخياطة ملابس العيد، ثم العشر الأخيرة تسمى (بالحلق)حيث تبدأ الأسر بعمل كعك والذي لا يقدم إلا بالعيد فقط، ويشرف ويدير هذا الحوار الأستاذ أحمد مصطفى المعيطي. وللجنة السياحية دور كبير من خلال الإشراف المباشر على هذه الفعاليات الرمضانية التي تستحضر الماضي في نفس المكان الذي كانت تمارس فيه، بدليل الإقبال المتزايد والكبير من زوار وسكان مدينة الوجه وما حولها، ما أعطى الزوار انطباعاً جميلاً فيما وجدوه بمدينة الوجه التراثية، من أصالة غابت عن أعينهم، وتجسدت فيما قدمته الأسر المنتجة من الموروث الأصيل الذي أعاد لرمضان نكهته الشعبية وتميُز أطباقه مثل الفول والكنافة والفتة. كما كان لتزيين التراث العمراني في مدينة الوجه التاريخية، بنفس الطقوس التي مارسها مجتمع الوجه قديماً، في استقبال رمضان، بتعليق الفوانيس، وبنفس الأثاث القديم في داخل البيوت وخارجها، ما أبهر الزوار عند دخولها واطلاعه على مساكن أجداده، وتصاميمه التي دخلت فيها العادات والتقاليد. قامت اللجنة السياحية مشكورة بدورها الحيوي، بتحفيز الذاكرة لحفظ معطيات هذا الجمال والأصالة، التي يجب أن يقف عليها المجتمع عن قرب، ليكون رسولاً يقدم صورة عن أصالة المجتمع، والتي أشرف عليها محافظ الوجه ورئيس التنمية السياحية الأستاذ فهد بن بندر الخريصي. وبكلمات استحضر الشاعر فيه أيام الطفولة، حين كان مرسالاً لأمه قبل وقت الأذان وكيف كانوا ينتظرون الأذان وما تحتويه السفرة وما هي طقوسهم بعد الإفطار: واذكر واحنا بزور صغار أول ما يعلن بأخبار من الفرحة كلن طار بأهلا أهلا رمضان والفرحة تكمل بكرة لسوّت أمي فطرة واعطتني منه بسفرة قالت لبيوت الجيران ويا فرحتي لا رديت وامي سفرتها بالبيت وعليها شفت الشربيت متى يأذن للعطشان ونصلي بعده نرجع حول الرادو نتجمع ونرفع صوته نتسمع يوميات أم حديجان وابويه عازم جاره ومشاركه بإفطاره وبكره يفطر في داره الله يوم أذكر ما كان أعطتني منه بسفرة: أي بآنية كما يستخدمها بعض السكان. يشتق رمضان من الذاكرة أروع الأحاديث في أروع الذكريات بصورة لمجتمع مترابط، يبحث عن الخير عند الله في بيوت الفقراء، وعن السعادة بقضاء فرائض الله بكل رضا، وعن التسلية وقضاء الوقت بصلة الرحم في التواصل الأسري والاجتماعي طوال شهر رمضان. أحد كبار السن يتحدث عن ذاكرة المكان البيت التاريخي من الداخل