في النقد العلمي ليس أسوأ من الآراء الانطباعية إلا الآراء الانتهازية، ففي الأولى تكون الأحكام ارتجالية غير مستندة على دليل، ولا مبنية على تحليل، فيما تنطلق الثانية من منصة تصفية الحسابات باستغلال حدث ما بطريقة نفعية وغير أخلاقية. ذلك التشخيص لجانب من جوانب النقد يتجلى بوضوح هذه الأيام - وبصورة يؤسف لها - خلال مشاركة المنتخب السعودي للشباب في كأس العالم، إذ حوّل بعض الإعلاميين المتعاركين في ميدان الأندية المنتخب الشاب لساحة معركة جديدة، ليس الهدف منها - بالطبع -الانتصار لمنتخب الوطن الذي يسير حتى اللحظة بخطى ثابتة إذ تأهل لدور ال16 وسيواجه منتخب الأوروغواي، وإنما الهدف منها استكمال معارك الموسم. البداية الضعيفة والصادمة ل"الأخضر" الشاب في مواجهته مع السنغال، والتي خسرها بثنائية كانت الشرارة التي أشعلت فتيل المعركة، إذ تعرض مدرب المنتخب سعد الشهري لانتقاد بعضه طبيعي، وفي سياقه النقدي باعتباره المسؤول الفني الأول والأخير، وبعضه مبالغ فيه كونه حمل أحكاماً متسرعة وحادة. طرف آخر من تلك الأطراف المتحاربة رفض توجيه أي انتقاد للمدرب الشهري، وكأنه فوق النقد، ليس من منطلق كونه مدرباً للمنتخب، ولا من مبدأ مواطنيته، وإنما انتصاراً لنصراويته، لأن أولئك أنفسهم لم يوفروا منتخباً، ولا نادياً، ولا مدرباً، أو لاعباً، أو مسؤولاً لم يهاجموه ويعرضوا به حتى وهو يمثل الوطن في مهمة خارجية، والشواهد أكبر من أن تعدد. طرف ثالث مارس حالة غارقة في المثالية منطلقها التشاوف المفضوح بالانتصار للشهري إثر التعادل مع منتخب أمريكا وضمان العبور للدور الثاني، إذ قدم نفسه على سبيل المدافع عن حياض المنتخب، والمنتصر لمدربه السعودي، والمنافح عن الوعي الرياضي، وهو الذي كان متدثراً بالصمت حيث اللاموقف بعد الهزيمة الثنائية من السنغال. ثمة طرف رابع استثمر المعركة بعيداً عن الشهري، وإنما للضرب في اتحاد الكرة، وهو ما بدا عليه "تحالف الخاسرين" في الانتخابات، بانتهازية فجة، فحين خسر المنتخب من السنغال وضعوا الخسارة في خانة إهماله والتقصير معه، وحينما تأهل اعتبر ذلك إنجازاً يحسب لمجهول!. كم هو مؤسف أن يتحول منتخب الوطن لهكذا ساحة، ومؤسف أكبر أن يتأسس هؤلاء الشبان الذين يمثلون أمل الكرة السعودية على هذا الواقع الإعلامي الذي تكون الحميَّة فيه لألوان النادي، والانتصار فيه للذات النرجسية، والنزعات الشخصية، وكل ذلك على حساب الوعي والمصالح العليا.