فقدت الحركة الإعلامية الوطنية شخصية بارزة وعلماً من أعلام الصحافة السعودية والعربية برحيل أستاذنا الكبير تركي السديري – رحمه الله – الذي لم يكن شخصية إعلامية أو ثقافية فحسب وإنما شخصية اجتماعية إنسانية متعددة المآثر والجوانب. بدأت علاقتي مع معلمي الأول "أبو عبدالله" منذ أكثر من ثلاثة عقود عندما دخلت عالم الصحافة عاشقًا لمهنة المتاعب مطلع الثمانينيات الميلادية ونمت تلك العلاقة من خلال التحفيز والتشجيع الذي كنت أحظى به منه في بداياتي الصحفية بجانب الزميلين الأستاذ محمد الشنيفي والدكتور سعود المصيبيح. كنت شغوفًا بهذه المهنة فانخرطت بالعمل الصحفي في جريدة الرياض ووجدت كل الدعم والمؤازرة من أستاذ الصحافة وعميد الإعلاميين تركي عبدالله السديري الذي فتح لي قلبه قبل بابه فمنحني مساحة من الاهتمام والتوجيه فكانت انطلاقتي عبر الجريدة الرائدة "الرياض" بدعم قوي ومباشر من الرمز الراحل. عرفت أستاذي تركي في مواقف إنسانية عدة مع قدامى الرياضيين واللاعبين عايشتها عن كثب لأنه كان يؤمن بقيمة العمل الإنساني وحب الخير للجميع كقيم متأصلة في شخصيته النبيلة الأصيلة. أتذكر من هذه المواقف حين نشرت لأول مرة عن تردي الحالة المعيشية والمادية للنجم الهلالي الكبير وقائده الأسطورة مبارك عبدالكريم في حوار معه منذ أكثر من 10 سنوات وقبل أن تتدهور حالته الصحية فاستدعاني أبو عبدالله لمكتبه وقال أطلعني بالتفصيل على أوضاع مبارك فنقلت له الصورة الكاملة ومعاناته المعيشية فقرر تقديم مساعدة شهرية دائمة يستقطعها من مرتبه الخاص – رحمه الله – منذ ذلك الحين وهي تصل مبارك بانتظام بتحويل مباشر لحسابه البنكي. وما أثلج صدري في ثاني أيام العزاء حين همس في أذني "هيثم" ابن أستاذنا تركي السديري قائلًا: "أبلغ مبارك أن المساعدة المادية التي خصصها له الوالد في حياته لن تنقطع وستستمر رغم وفاته". وفي هذا دلالة واضحة على حسن تربية أبو عبدالله لأبنائه وتنشئتهم على حب الخير ومساعدة المحتاجين. ولأن ملك الصحافة كان صاحب قيم وفائية ومبادرات شهمة مع رفقاء الدرب بوقوفه معهم في أحلك ظروفهم ومن تلك المواقف التي تدل على أصالة أبو عبدالله ووفائه الكبير عندما بادر في الوقوف مع الحكم الدولي السابق عبدالرحمن الموزان في عدة ظروف صعبة عانى منها ومنها مساعدته وتكفله بمصاريف دراسة أحد أبنائه خارج المملكة. أما مواقف الأستاذ تركي السديري معي شخصيًا فلا يمكن حصرها ويكفي سؤاله الدائم وتواصله للاطمئنان على الحالة المرضية لزوجتي "أم عبدالعزيز" شفاها الله عندما غادرت لأميركا أكثر من مرة في رحلات علاجية وكان دائم السؤال عن صحتها وأمر باستمرار مكافأتي الشهرية طوال فترة مرافقتي لها بالخارج وكانت تمتد أحيانًا عدة أشهر بل إنه في إحدى المرات اقتطع – رحمه الله - جزءًا من مرتبه ليقدمه مساعدة لي في علاجها بالخارج حين علم أن تكاليف الرحلة العلاجية على حسابي الشخصي. لذلك سيظل أستاذي ومعلمي الأول تركي السديري صاحب القيم والمبادئ والأخلاق الحميدة مدرسة نتعلم منها الشيء الكثير والكثير فما قدمه من أعمال خيرية ومبادرات إنسانية للمحتاجين والمكلومين ستظل شاهدًا حيًا على شهامته ونبله وطيبته المتناهية وقلبه الكبير الذي يتسع الجميع. فرحم الله فقيدنا الغالي الذي خسر الوطن برحيله قامة عملاقة وشخصية بارزة ستظل سيرتها محفورة في الذاكرة والوجدان. خالص العزاء وصادق المواساة لأسرة وأبناء وبنات وحرم فقيدنا الغالي وأن يتغمده الله بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته.