الرموز لا ترحل.. تبقى آثارها ومآثرها وقيمها معنا نستلهم منها كل يوم جديد حتى وإن غادرتنا كجسد.. ذلك هو تركي السديري رحمه الله الذي ودّعنا بالأمس تاركاً بصماته الخالدة في مسيرة حافلة بالعطاء والتضحيات والعمل في بلاط صاحبة الجلالة ومهنة المتاعب التي أخذت من وقته وصحته وتفكيره الكثير.. رحل ملك الصحافة والرمز الكبير ابو عبدالله بالأمس، لكنه بقي فينا كأسرة تحرير وكوسط إعلامي نستلهم من شخصيته القيم التي زرعها وأسسها فينا، ونستنير من نبل أخلاقه ومبادئه التي لا يحيد عنها، وسنظل نستعيد ذكرياته ونستذكر توجيهاته في كل زوايا بيته الأول "الرياض" التي امتلأت كل ممراتها وقاعاتها بصور ودروع تكريمه وتكريم معشوقته "الرياض" طوال مسيرته في رئاسة التحرير التي تجاوزت ال40 عاما. "كاريزما" ابوعبدالله "كاريزما" فريدة من نوعها، وشخصية لا تتكرر بكل تفاصيلها، علّمنا كيف نعشق هذا الكيان الكبير "الرياض" التي يقضي فيها أكثر مما يقضيه في بيته ومع أسرته، وقد علّقنا أكثر وأكثر بحب هذا الكيان وبالمهنة ثم رحل عنّا تاركاً خلفه مسيرة حافلة بالتضحيات والإخلاص في العمل وبالقيم التي تدفعنا صباح كل يوم للمضي قدماً في هذه المهنة لتحقيق النجاح والتميّز ومقاومة التحدّيات، ومنه تعلّمنا كيف نحافظ على "الرياض" رائدة رصينة متوهجة كل يوم كما كان يريدها أن تكون. علمنا ابوعبدالله عندما تتقاطع المصالح واعتبارات السبق الصحفي مع مصلحة الوطن ومصلحة المجتمع أن نقدم مصلحة الوطن والمجتمع على أي شيء آخر مهما كانت التضحيات، وألا نساوم في ذلك، وكم رفض رحمه الله من مواد وأخبار تحقيقاً لهذا المبدأ، وكان حريصاً على تجاوز أساليب الإثارة والجدل، أو بناء المواقف والآراء السريعة خلال التعاطي مع القضايا والأحداث اليومية، ويحثّنا دائماً على تحمل مسؤولياتنا الأخلاقية والمهنية في العمل والالتزم التام بالموضوعية في عرض الحقائق دون تحيّز لأي طرف، حريصاً على المصداقية في توثيق المعلومات من مصادرها، حتى كسبت "الرياض" بفضل سياسته المتزنة والمنضبطة وبعد نظره ثقة القارئ والمسؤول والمعلن معاً. وعلى المستوى الشخصي بعيداً عن المهنة ومشاغلها، كان الفقيد رحمه الله رغم كل مشاغله وتعدد مسؤولياته وتنقّلاته "قلب كبير" ينبض بالمحبة والإنسانية والكرم ونبل الرجال وبالوفاء الكبير لمن زاملوه، وكان أشبه ب"مجموعة إنسان".. نقطة ضعفه الحالات الإنسانية التي يقف أمامها عاجزاً إلا أن يكون له بصمة خير فيها، ويعرف القريبون منه كم من كربات وأصحاب ظروف شخصية وأناس أعياهم المرض ممن تقدموا للجريدة في عهده طلباً للمساعدة في نشر حالاتهم، حيث يبادر فوراً لتبني تلك الحالات ويقف معها بجاهه وبماله الخاص دون نشر، بل كان في كثير من الحالات أشبه بالوكيل والمحامي لأصحابها أمام المسؤولين باتصالاته المتعددة التي وقفت وشهدت شخصياً عدداً منها، كما يشهد جميع من في هذا الكيان ومن هم خارجه من الوسط الإعلامي بمواقف هذا الرجل الشخصيّة التي تفيض بالنبل والوفاء والكرم حتى يتخيل لكل شخص أنه هو الأقرب الى نفس الفقيد من غيره، بينما كان يعامل الجميع سواسية، ولا يرد صاحب حاجة مهما كلفه الأمر. عرفت الفقيد قبل أكثر من 18 عاما ورافقته في مهمات عمل داخل المملكة وخارجها، وفي لقاءات صحفية خاصة بقادة دول وبمسؤولين كبار.. كان الداعم الأول للشباب والحريص دائماً على أن يهيئهم لمسؤوليات العمل.. كان رجل صاحب كلمه، يعرف الجميع أن "كلمة تركي بمثابه عقد موثق"، رجل لا يعرف البروتوكولات في تعامله مع الزملاء من أسرة التحرير، يتابع مهام العمل ويهاتف أي زميل مباشرة عند الحاجة. رحم الله فقيد الصحافة وعميدها وأستاذنا الكبير تركي السديري رحمة واسعة وجزاه الله خير الجزاء على ماقدمه لوطنه ومجتمعه ولزملاء المهنة وللمهنة من عطاء وتضحيات.. (وإنا لله وانا إليه راجعون). * مدير التحرير