خمسون عاماً من الوفاء والإخلاص، خمسون عاماً من الزمالة الطاهرة والتعلم الإنساني والمهني، خمسون عاماً من الجد والشعور بالمسؤولية، خمسون عاماً ودعتها والحزن يعصف بي وبالجميع من زملائي ونحن نواري أنبل من عاشرنا ورافقنا أخاً وصديقاً ومعلماً.. الثرى «أبو عبدالله السديري». أقول أبو عبدالله لأنه يأنس لمن يناديه بهذا الاسم.. دون غيره من الألقاب.. تاركاً مثل هذه الأمور وراء ظهره.. متجهاً طيلة أيام ركضه الإعلامي إلى جوهر العمل والإخلاص. خمسون عاماً رافقت بها أخاً كريماً ورجلاً وفياً.. تجسد وفاؤه في كل المواطن الخيرة لوطنه وقيادته وأمته، ولجميع من هو بحاجة إلى مساعدته ممن حوله.. حزني يزداد عندما أعرف أن صراخه الإيجابي وحماسه المهني قد غاب عن الساحة.. حزني زاد كلما عرفت أن مداعبته المرضية لمن يشعر أنه غضب منه قد دفنت معه في مقبرة الدرعية. حزني يتضاعف عندما أدرك أن سند المعوزين وناصر المحتاجين قد رحل إلى ربه. حزني يكبر إذا عرفت أن رجل الإنسانية والقلب الرقيق رحل وترك من ورائه تاريخاً مليئاً بالخير والمواقف الخيرية التي نسأل الله أن تكون شافعة له عند ربه. حزني يزداد إذا عرفت أن من بنى هذا الصرح الإعلامي وأسس غيره من المشروعات الإعلامية أصبحت رافداً من روافد الإعلام الوطني.. إنه قد غادر الحياة. حزني يتعبني وأنا أدرك أن ما في ذاكرتني من مواقف إنسانية سطرتها أريحية أبو عبدالله أعجز عن سردها في ساعات.. ولكن عشمي بالله عظيم بأن تكون نوراً له في قبره.. وراجحة في موازين حسناته. خمسون عاماً رافقت بها «ملك الصحافة» لم تكسبني وحدي معنى العمل وقيمة الجدية ومعرفة عامل الزمن وحدي بل جميع من كان له نصيب مزاملة ومرافقة الراحل. خمسون عاماً مضت للراحل ولم أجد يوماً من الأيام أنه غافل عن رعاية من حوله ومن هو محتاجه.. يكفيه أن يسمع عن معاناة أحد ليبادر بتقديم العون والمساعدة.. وكم هم المحتاجون الذين فاجأتهم مساعدته دون أن يكون لهم اتصال.. مواقفه الإنسانية لم تقتصر على زملائه في مؤسسة اليمامة الصحفية بل في جميع الصحف والمؤسسات، كما أنها لم تقتصر على الوسط الإعلامي بل جميع من هو في حاجة للمساندة التي تجاوزت حدود الوطن إلى الوطن العربي.. وكم هي الحالات التي وقفت عليها للراحل غفر الله له. عزاؤنا أن للراحل أثراً كبيراً من العمل الإنساني ورجال أوفياء من خلفه هم سائرون على نهجه في مدرسة صحفية هو رائدها. رحم الله أبا عبدالله وأسكنه فسيح جناته و«إنا لله وإنا إليه راجعون».