كيف لإنسان أن يجمع كل هذا الحسن في الخلق، إنه تركي السديري.. رمز إعلامي سدي بكل فخر وهذا لا يحتاج لإثبات فكل رموز الإعلام خرجت تنعيه وتصفه بالأستاذ، وهي الحقيقة الجاهرة. ولكن في الجانب الآخر، كان أول اتصال مباشر معه رحمه الله اتصلت فلم يرد، ولكن بعد بضع دقائق عاد واتصل وهو خارج المملكة وفي لندن تحديداً. وكان طلبي أني أريد أن التحق بجريدة الرياض، ولم يكن بيننا موعد سابق معه نهائيا، واستقبل طلبي برحابة صدر أدهشتني ولم أكن أتوقعها. عظمة تركي السديري تتمثل في أنه يحترم الصغير قبل الكبير، ويعامل الناس سواسية فعلا وليس شعاراً. فخلال التسع سنوات التي قضيتها معه في العمل كان يفاجئني في كل مرة بموقف أنبل، ففي عام 1433ه وأثناء انعقاد قمة التضامن الإسلامي في مكةالمكرمة، وفي شهر رمضان تحديداً، واذا باتصال مباشر من ملك الصحافة يقول فيه "أنت ستحضر القمة نيابة عني"، وكنت وقتها محرر صحفي، قلت له لن يسمحوا لي بالدخول فأجابني " اذهب للبوابة ودعهم يعيدونك". وفعلا تشرفت بأن أحضر نيابة عن العظيم تركي السديري. ذاك العملاق كان يؤمن بقدرات الشباب ويدفعهم بقوه. وفي موقف آخر، اتصل نهار جمعة وقال: " اذهب وصلي الجمعة بجوار قصر الأمير سعود الفيصل رحمهم الله جميعا الأمير سيجتمع مع رؤساء التحرير وأنا لن أستطيع الحضور اليوم، بلغ الأمير اعتذاري وأبلغني بكل ما يدور في الاجتماع" ، وأيضا حينها كنت محرراً صحفياً. وفي موقف تعلمت منه أن فكر الكبار يختلف، علمت أنه بصدد تعين مدير تحرير في مكتب جدة، فاتصلت معاتباً لماذا تعين شخصاً جديداً وأنا في المكتب وموعود منك بتحسين وظيفتي، فأخذ النقاش بيننا نصف ساعة تقريبا، وحين انتهت المكالمة قلت لنفسي: يا لهذا الكبير، هل من المقعول أن أناقش رئيس تحرير في قرار تعين مدير تحرير، وأنا محرر والأدهى أن يتقبل مني ويقنعني بأن القادم أجمل وفعلا مهد لي الطريق بالعمل. تركي السديري كنت عملاقاً وطنياً، أنجزت لوطنك بحب. ولم تبخل على شباب وطنك. أقول هذا وأنت تحت الثرى.. أسال العلي القدير أن يجعل الجنة مثواك وأن يتغمدك بواسع رحمته. *نائب مدير مكتب جدة