في نهاية التسعينيات الميلادية رشحني رئيس القسم الرياضي السابق أحمد المصيبيح لتغطية بطولة في القاهرة بمشاركة أحد الأندية السعودية. وتسلمت من الإدارة المالية بمؤسسة اليمامة تذكرة سفر ومبلغ الانتداب، كنت بالمطار قبل انطلاق البطولة بأيام لتغطية مغادرة الفريق على أن ألحق بالبعثة بعد يومين. في المطار التقيت مسؤولا بالنادي عرض علي مرافقة الفريق وتكفلهم بكامل المصاريف أسوة ببعض الزملاء، اعتذرت له بلباقة شاكرا كريم الموقف، وحرصت على التأكيد بأن الجريدة تكفلت بكل شيء. غادرت البعثة وعدت لمقر الجريدة (قبل سفري) لتفريغ المادة، سألني رئيس القسم الرياضي عن أخبار الفريق، وفي سياق الإجابة تطرقت للقصة سريعا، كتب المصيبيح خطابا مختصرا لرئيس التحرير تركي السديري -رحمه الله- أشار فيها لما حدث في المطار، وردة فعل الصحفي الشاب، والذي لم يمض بعد عامه الأول صحفيا، فكان قرار السديري مضاعفة انتدابي بنسبة 100 بالمئة، الموقف بمثابة تأسيس لقيمة الجريدة في نفوس منسوبيها. علمني تركي السديري كيف يعتز الصحفي بمكانته، وانتمائه، وكيف يكون الإعلامي مراسلا حرا هدفه الأساس نجاح مطبوعته. (نصراوي في جريدة الرياض)!!، أكثر عبارة تعجب أسمعها في المجالس والتجمعات الرياضية، وغير الرياضية منذ العام 96م وحتى اليوم. ما لا تعرفون عن تركي السديري دعمه لوجودي في القسم الرياضي بقوة، أشعرني بأن العمل المهني والمصداقية، والحس الصحفي هو ضمان الاستمرارية في الجريدة الكبيرة لا الميول الرياضية. دخل "الأستاذ" القسم الرياضي مرة فسألني في حضور الزملاء: "كيف أمورك يا عبدالله؟، إذا ما نشروا لك تعال مباشرة لمكتبي". إنسانيا.. مواقف السديري -غفر الله له- كثيرة، احتاج شقيقي وليد -رحمه الله- عناية عاجلة في مستشفى كبير، استقبلني، وبعد شرح موجز لم يتردد لحظة في الاتصال هاتفيا بوزير الصحة آنذاك عبدالمجيد شبكشي فوجه الوزير مستشفى الملك فيصل التخصصي باستقبال شقيقي خلال 48 ساعة وكان محل عنايتهم حتى توفاه الله. رحم الله تركي السديري رحمة واسعة، وتجاوز عنه، وألهم أهله وذويه والوسط الإعلامي السعودي والعربي الصبر، رحل مخلفا إرثا إنسانيا ومهنيا يصعب تعويضه.