لم يكن ترقب الجمهور لألبوم الفنان رابح صقر الجديد إلا لثقته في المحتوى الذي يقدمه "الصقر" مع كل إطلالة له، حيث اعتاد على التميز في اختياراته اللحنية والشعرية والتوزيع الموسيقي، وهي سمة يتجلى بها رابح صقر منذ أن انطلق في الساحة الفنية مختلفاً عن غيره، مقدماً إشارات فلسفية موسيقية تنبأ بها الراحل طلال مداح. ألبوم "رابح 2017" صنع فارقاً رغم اختلاف الذوق بين الأعمال التي قدمها، وهو نقلة نوعية في الأغنية الخليجية التي باتت ترتكز على الأعمال الكلاسيكية المكررة، وقيمة هذا الألبوم تكمن في تغييره النمط الموسيقي السائد، واحتوائه على خليط منوع من "الكلاسيكي/ الشعبي" إلى الرومانسي، مستفيداً من تجربته الطويلة التي تعاون فيها مع نجوم اللحن مثل صالح الشهري "رحمه الله" وسهم، خاصة في فترة بدايات التحول بداية التسعينيات الميلادية، والتي تجلى خلالها بتقديم مجموعة أفكار وألوان مختلفة، إلى جانب نوعية التصوير الموسيقى المبتكر الذي يعتمده رابح لتجسيد خيال الكلمة وتوزيع الصولوهات والأرتام اللحنية، تقول عنه الفنانة المصرية أنغام "رابح فنان مذهل متطور جداً غيّر مفهوم التيمة الشعبية في فضاء الموسيقى العربية"، وحديثها هذا جاء بعد أن أصبح رابح الفنان الوحيد الذي نقل توزيعه الموسيقي من داخل الأستوديو إلى المسرح، وهي سمة غير موجودة عند الآخرين، بينما تمكن من ترجمة طموح البدايات إلى روح موسيقية متجددة استقطبت جمهوراً خاصاً يحتفي به في كل مناسبة. الألبوم الأخير ترجم كل هذه المميزات التي يمتلكها رابح صقر، وكشف عن جهد، وفكر، ورؤية، وتجربة ثرية لسنين طويلة في ميدان البناء الموسيقي. أغنية "خلاص" للشاعر تركي المشيقح والملحن أحمد الهرمي، أخذت حيزاً مهماً من الألبوم وحققت صدى مميزا لدى المستمعين، وأيضاً أغنية "يوم واحد" للشاعر ساري والتي لحنها رابح صقر ببناء موسيقي مختلف، وكذا بالنسبة لأغاني "الميزان" لسعود محمد الفيصل وألحان عزوف، و"وماني مصدق" و"يا قلب"، "صدفة" وغيرها من الأغاني التي تنوعت في أفكارها واتجاهاتها الموسيقية. رابح صقر منذ بداياته كان مطرباً مختلفاً يبحث عن شيء ينقله إلى أبعد من مجرد الغناء، الطموح يكبر كلما مرّ الزمن، والعلاقة بينه وبين الجمهور استثنائية مختلفة عن بقية جماهير الفنانين الآخرين، في الألبوم الجديد اتضحت هذه الروح المختلفة في اللمسات الموسيقية الملفتة، وحتى الموزع الموسيقي هاني فرحات تأثر كلياً معه حتى بدى متطوراً ديناميكي الحركة، وهو الذي قال عنه في أول تعاون: "رابح من المطربين الذين يفتحون لنا آفاقاً واسعة في التوزيع، رغم الجهد الذي نبذله معه إلا أنه مختلف عن غيره من حيث الإبداع والرؤية التي يقدمها لنا في الفلسفة الموسيقية والإيقاعية ونستفيد منه". الميزة التي يؤكدها هذا الألبوم هو اندماج رابح صقر الكلي مع الفن، فهو لا يترك مسافة زمنية طويلة بينه وبين الجمهور إلا ويأتي محملاً بالمميز الذي لا يتمكن من صناعته إلا فنان مثقف موسيقياً ويمتلك ذائقة فنية عالية. وأغانيه الجديدة، سواء في هذا الألبوم، أو المنفردة، تؤكد قيمته كفنان مبدع لا يغيب إلا ليفاجئ الساحة بأعمال متميزة لحناً وكلمات.