كلنا ذووا أحلام وطموحات، وكلنا نتمنى أمنيات وكلنا في النهاية إنسان يملك إرادة وعزيمة للوصول بتلك الهواجس والأحلام إلى أرض الواقع وليس إلى دنيا الخيال. نستطيع بإبداعاتنا أن نكتشف المجهول ونيسّر الصعوبات ونبتكر الجديد ونبدع في المفرحات. الإبداع هو الابتكار والقدرة على تشكيل فكرة ومشروع، هو تجانس خاطرة مع إصرار لتولّد أساس المعرفة، ويمكن القول، بأنه ينتمي إلى مملكة العصف الذهني من خلال إعطاء العقل الضوء الأخضر والأمان ليرسم بثقة وتحدّ للفشل، فبالتالي يزود الدماغ بالفرشاة والألوان ليرسم أجمل لوحة يقرؤها العقل ثم تسعى الجوارح بتطبيقها. ويمكن القول بأن الإبداع بأبسط صوره، هو قوة تخّيل عالية عارية من قيود الفشل والخوف، وهو إطلالة مختلفة جميلة من وجهات النظر أحيانا أخرى. فالإبداع هو خليل للنجاح وهو تفكير ملهم باعث للرؤى يخرجك من حلبة المصارعة بنجاح، فهو خاطرة كالسهم تتجه للدماغ لتحريرها كفكرة لتشعل نار المعرفة. يمكن تطبيقه للحصول على زيادة متعة أوالخروج من ورطة، فالتصور الإبداعي هو ألا تعيق أفكارك الإبداعية التي ستخلصك من إعصار المشكلة أو الخروج منها بأقل الخسائر. هو ليس قوة خارجة محتكرة على البعض، هو قدرة طبيعية وهبنا إياها الخالق ولكن تتفاوت فيما بيننا بمستوى رعايتها وتنميتها، وبمستوى قوة استثارة الإبداع الداخلي عن طريق أسلوب النفس من الداخل ولا أحد يستطيع قياس مدى القوة غير صاحب الشأن. فهو يستطيع رفع الأمبير وإنزاله بناءً على ما تمليه عليه نفسه. ليس سراً أن الثقة بالقدرات الشخصية والأمان يولّدان الإبداع، وبرأي المختصين فإن الثقة كالعدوى تنتقل بالمجالسة والمصاحبة لأصحاب الهمم والطموحات العالية، فإن أنست بمجالسة أصحاب المعالي فستكون جزءا من شموخهم ونهضتهم، وإن اطمأنت روحك بأسارير العجز والإحباط مع جلساء القيعان فستبقى في القاع بقية حياتك، وستنظر لمن في الأعلى وكأن معجزة أوسلما سحريا سعى بهم للصعود إلى قمة الجبل، لكن في الحقيقة أصحاب الهمم شمّروا عن سواعدهم ولم يسمحوا لأحلامهم أن تتواضع بل سعوا إلى رعايتها والاهتمام بها إلى أن تكبّرت واختالت متكبرة بجملة أكثر وضوحا، هم لم يلعبوا دور المفعول به بل تصدروا الجملة بنوعيها. (نيكولا كوك) بريطانية الأصل خبيرة وناجحة في مجال التنمية البشرية، ذكرت في كتابها:(a new you) -ذاتك الجديدة- أنه في حفل افتتاح منتجع عالم (والت ديزني) بولاية فلوريدا عام 1967، بعد عام واحد من موت (والت)، سأل أحد الصحفيين (ليليان) زوجة والت: أليس من المؤسف أن والت ليس معنا الآن ليرى الحلم وقد أصبح حقيقة؟ فأجابته ليليان بحكمة: أنت هنا تراها وتعاينها، لأن والت تصورها سلفا. لقد كانت الرؤية لدى (والت ديزني) قبل أن تتحول إلى حقيقة بزمن طويل. بمعنى آخر، لقد أبدع وتخيّل الفكرة والتفاصيل واعتقد موقناً بنجاح الحلم والإبداع فأصبح حلمه حقيقة يتطلّع لها الكبير والصغير من ذلك العام وحتى وقتنا الحالي. ختاماً، نحن الآن في عصر تتصارع فيه التحديّات وتتعارك فيه الحاجة للابتكارات ومجتمع ينشد المعرفة ونهم العلم، فالإبداع ليس حكرا على مجال معين فلنتذوق الإبداع من جميع القوالب، منها الفني والتعبيري والإنتاجي والأخلاقي والمتجدد والطارئ للنهوض بأنفسنا وبمجتمعاتنا. فلنكن كالمحبرة لا تنضب ولا تتوقف ولا تجفّ براعتها.