كانت وفاة والت ديزني في ديسمبر 1971م، قبل 3 أشهر فقط من افتتاح منتزهه العجيب «عالم ديزني» في أورلاندو بولاية فلوريدا. وعند افتتاحه، قال أحدهم: «من المُحبِط ألا نرى ديزني بيننا اليوم، ليرى إنجازه!»، فردَّ عليه «مايك فانس»، أحد مديري ديزني آنذاك، قائلًا: «لقد رآه ديزني فعلًا قبلنا، ولهذا نراه اليوم!». كان فانس يرمي إلى أن ديزني رأى المنتزه بفؤاده، أي تخيَّله حُلْمًا جميلًا، فخطط وعمل على تحقيقه. فما رآه الناس حقيقة شاخصة عند الافتتاح، رآه ديزني ببصيرته قبلهم بسنين. بعبارة أخرى، كان ديزني يملك ما يُعرَف ب«الرؤيا». الرؤيا هي سبيل المبدعين للهروب من ضِيق الواقع إلى أفق الخيال الواسع. وعند النظر إلى سِيَر الناجحين، نجد أنهم مشتركون في إيمانهم بأحلامهم وفي امتلاكهم رؤى قبل شروعهم في أعمالهم، فما كان شيءٌ ليتحقق، لولا وجود من يَتخيَّلهُ حُلْمًا، ويعمل بجد على تحقيقه. والأحلام، دون عمل، تبقى مجرد أمانٍ وآمال، وربما أوهام.الرؤيا هي الصورة المستقبلية التي نتخيلها لأنفسنا ولأعمالنا. وقد يخطئ بعضهم فيقول فلانٌ يملك «رؤية» واضحة لمشروعه، وربما قصَدَ «رؤيا» أو «رؤية مستقبلية»، لأن الرؤية ما تراه العين، أما الرؤيا فما يبصره القلب ويدركه العقل، وهي تتخطى الواقع إلى ما هو أبعد من حدود النظر. وبعيدًا عن السَّفْسَطَة، فإن «الرؤية» هي الواقع والحاضر، أما «الرؤيا» فهي الحُلْم والمستقبَل. والرؤيا هي سبيل المبدعين للهروب من ضِيق الواقع إلى أفق الخيال الواسع. وعند النظر إلى سِيَر الناجحين، نجد أنهم مشتركون في إيمانهم بأحلامهم وفي امتلاكهم رؤىً قبل شروعهم في أعمالهم، فما كان شيءٌ ليتحقق، لولا وجود من يَتخيَّلهُ حُلْمًا، ويعمل بجد على تحقيقه. والأحلام، دون عمل، تبقى مجرد أمانٍ وآمال، وربما أوهام. والرؤيا المكتوبة تذكِّرُ صاحبها بما يَطمحُ إليه باستمرار، فلا يَحيد عنه. والناجحون يتذكرون دومًا رؤاهم، ويتخذون كل يوم قرارت تقربهم إليها أكثر. والرؤيا شبيهة إلى حدٍ ما بسؤالنا المعتاد والممل لكل طفل نقابله: «ماذا تتمنى أن تكون عندما تكبر؟». إننا نتوقع من أطفالنا أن يكون لهم رؤى، وننسى أنفسنا! ومن المحزِن أن أغلب شبابنا ومؤسساتنا لا يمتلكون رؤيا لمستقبلهم، فيعملون بلا اتجاه واضح، ودون تحقيق نتائج تُذكَر. وقد كشفت دراسة حديثة جدًا أجرتها «مؤسسة الملك خالد الخيرية» أن 93 بالمائة من المؤسسات والجمعيات الخيرية في المملكة ليس لديها رؤيا واضحة! ومما يؤسَف له، أن كثيرًا من الإداريين لا يعي أهمية الرؤيا كأداة توجيه استراتيجية، معتقدين بأنها نوع من البهرجة الإدارية، لذا يجتهدون في صياغتها اللغوية وتنميقها بكلمات فخمة ذات معنى فضفاض؛ كالتميز والجودة والريادة. بينما يرى بعضهم أن صياغة الرؤيا وتعليقها شرطٌ من شروط الوجاهة، تمامًا ك«البشت»، فتجد لوحة الرؤيا معلَّقة بإطار مُذهَّب على كل جدران شركاتهم، فيضيع حينها غرض الرؤيا، وتضيع الشركات. والغالب على أكثر الناس إهمالهم لإيجاد رؤيا واضحة لأعمالهم، لذا كانت دائمًا فرص فشلهم أكثر من نجاحهم، فتتحول أعمالهم إلى اجترار روتيني ممل ينتهي غالبًا بالفشل، لخلوه من التوجُّه والطموح. وكثيرًا ما أجد شبابًا شرعوا في أعمالهم التجارية وأسألهم عن رؤاهم، فيكون الرد سطحيًا مُحبِطًا بصيغة: «لكي أكسب المال!»، ولا أعتقد أن أحدًا فتَح متجرًا أو مَعملًا ليخسر! فإذا كان الإنسان لا يعرف إلى أين سيتجه تحديدًا، فسوف تتساوى عنده الطرق لاحقًا، وقد يسلك طريق الفشل دون أن يدري. وقد تختلط الرؤى عند بعض الناس بالأهداف، فيجعل جُلَّ اهتمامه تحقيق أهداف متفرقة، وينسى الصورة الكبرى (الرؤيا). والرؤيا غايةٌ كبيرة وطموحٌ بعيد، نصل إليه عبر تحقيق الأهداف. لذا فالأهداف هي درجات السُّلَّم التي تأخذنا إلى الأعلى حيث رؤانا. فعندما أقول: «سأفتح متجرًا ليؤمِّن لي مصدر دخل»، أو «سأجلب بضاعة من الصين»، فهذه مجرد أهداف. أما الرؤيا فهي محددة وطموحة وبعيدة الأمد، ترسم مكانك بوضوح في المستقبل، مثل عبارة: «أن نكون أكبر شركة في السوق الذي نعمل فيه»، وهي رؤيا طموحة وصارمة، شبيهة ببيت أبي فراس الحمداني الشهير: «لنا الصدرُ دون العالمينَ أو القبرُ». ويجب أن تكون الرؤيا ملهمة لكل شخص داخل المؤسسة، من الأعلى مَنْصبًا حتى الأدنى. ومما سمعته، أن الرئيس «كينيدي» زار ذات مرة وكالة «ناسا» إبَّان اشتداد التنافس مع السوفيت على غزو الفضاء، فوجد شخصًا يمسح بلاط أحد المستودعات، فأثار فضوله، وسأله عن وظيفته، فرد: «وظيفتي يا سيدي إنزال إنسان على سطح القمر!». وتشير هذه القصة، بغضِّ النظر عن صحتها، إلى تشرُّب كل موظفي ناسا، حتى عمال النظافة فيها، للرؤيا الطموحة التي عملت من أجْلها الوكالة إبَّان تلك الحِقْبَة. والرؤيا صالحة لفترة 5 إلى 10 سنوات، وربما أكثر، ويمكن تغييرها لتغيُّر الظروف؛ فما تم تحقيقه، يجب الاستعاضة عنه بأسمى منه، وهكذا يستمر الحُلْم ما دامت الحياة. [email protected]