الكتاب هو الذي إن نظرت فيه أطال إمتاعك وشد طباعك، فهو الصديق الذي لا يغريك، والرفيق الذي لا يَمَلّك، والصاحب الذي لا يعاملك بالمكر ولا يخادعك بالنفاق، بل إن من أسباب السعادة مطالعة الكتاب، والاهتمام بالقراءة، وتنمية العقل بالفوائد، يقول المتنبي: أَعَزُّ مَكانٍ في الدُنَى سَرجُ سابِحٍ وخَيرُ جَليسٍ في الأنَامِ كتابُ فهل أكل الدهر على هذه الأبيات وشرب ورحلت مع جيلها الذي رحل؟ أم أن شبابنا لازال يقتدي بها؟ فعلى الرغم من انتشار مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك الكُتب الإلكترونية عبر الإنترنت، إلاّ أن الملاحظ أن هناك من يُفضل الكتاب الورقي -التقليدي-، عبر تصفحه باليد، وقراءته صفحة صفحة، وكدليل على ذلك الأعداد الكبيرة التي يشهدها معرض الكتاب، وهو ما يؤكد أن حُب القراءة ما زال يجري في دم أغلب جيل اليوم، على الرغم من ثوران التقنية والتكنولوجيا. استهداف الشباب يقول د. عبدالرحمن العاصم -المشرف على وكالة الوزارة للشؤون الثقافية بوزارة الثقافة والإعلام المشرف العام على معرض الرياض الدولي للكتاب 2017م-: إن المعرض يسعى لتطوير برامج وفعاليات عدة لفئة الشباب، مستلهماً ذلك من رؤية المملكة 2030م التي تستهدف الشباب، وجعلتهم ركيزة أساسية نحو البناء والتطور واستشراق المستقبل، مشيراً إلى أن استحداث لجنة المبادرات الشبابية وفعالياتها المختلفة يأتي في سياق مبادرات واهتمام الوزارة بهذه الفئة الغالية، مؤكداً على أن إدارة المعرض في إطار حرصها على التنشئة السليمة للأطفال، خصصت جناحاً كاملاً للطفل من أجل غرس روح حب القراءة في نفوسهم، فضلاً عن إشراك الأسرة في ذلك على اعتبار أن المعرض يقوم بدور شمولي بدءاً من الأطفال، ومروراً بالشباب، ووصولاً لكبار السن من الجنسين، وليس فقط في إتاحة البيع لدور النشر. الأكثر مبيعاً وأوضح حمد البكر -المشرف على المتجر الإلكتروني بالمعرض- أن هناك مشهداً ثقافياً وحضوراً كبيراً من فئة الشباب، وعلى سبيل الحصر تفيد إحصائية معرض الرياض الدولي للكتاب أن أكثر من نصف زوار المعرض من الشباب و(60%) منهم نساء، مضيفاً أن إحصائية المعرض الإلكتروني تفيد بأن أغلب الطلبات الإلكترونية من فئة الشباب من الجنسين، فالكتب الخمس الأوائل وهي الأكثر مبيعاً هي لكتّاب شباب أعمارهم لا تتجاوز الثلاثين عاماً، يعني ذلك أن كثرة القراء من الشباب صنعت لنا شباباً قارئاً، وقارئاً نهماً، وجيلاً مؤلفاً وكاتباً واعياً. وأكد على أن الكتب الإلكترونية لا تنافس الكتب الورقية، وهذا يعود لقيمة الكتاب الورقي الأدبية التي لم تفقد رونقها، إنما تأتي مكملة لها، فهي لم ولن تتلاشى من ماضي العصور، وليس بالإمكان استبدالها، مبيناً أنه يبقى الكتاب الورقي الوسيلة الأولى للقراءة والمعلومة الصحيحة تأتي منه، لاسيما أن الإلكتروني سهل الوصول لعدد من الكتب، خاصةً بعض الكتب التي يندر توفرها في المكتبات، أو ذات القيمة العالية التي يصعب على الشباب اقتناؤها. ترتيب الأولويات وقال البكر: لا أعتقد أن أسعار الكتب تمثل عائقاً للشباب عن القراءة، فسعر الكتاب يعتبر باهظاً مقارنةً بغيره من مصادر المعلومة، فهي معقولة وفي متناول الجميع، وخيارات الطبعات متوفرة في المكتبات، ووسائل طلب الكتاب الورقي عبر الحسابات الإلكترونية متوفرة، مضيفاً أن الكتاب الإلكتروني أيضاً يعتبر بديلاً لمن يشعر بغلاء بعض الكتب، ولو رجعنا لمصادر المعلومة لوجدنا أن الشاب يستطيع الحصول عليها من خلال هاتفه الذكي أو من أجهزة الكمبيوتر وغيرها من التكنولوجيا الحديثة، فعند مقارنة أسعارها بأسعار الكتاب نجد أنها لا تمثل عشر سعرها المادي، مؤكداً على أن المسألة تندرج تحت ترتيب الأولويات إن لم يجعل الكتاب من ضمنها فحتماً سيجد البديل. منبر إعلامي وأشار عبدالرحمن المبرد -مدير إدارة مكتبة الملك فهد الوطنية- إلى أن مواقع التواصل أحدثت تأثيراً على اهتمامات القراءة لدى الشباب، لكنني أعتقد أنه كان تأثيراً إيجابياً حيث أظهر نماذج أصبحوا قدوات للشباب في القراءة، وأحدثت بعض الحسابات في مواقع التواصل تأثيراً من خلال التنافسية في القراءة بين الشباب، وخلقت كثيراً من هذه الحسابات بيئة جيدة للقراءة تحفز الشاب على اقتناء الكتاب والقراءة، مضيفاً أن لمواقع التواصل الاجتماعي دوراً كبيراً في صقل المواهب الإبداعية، وكانت منبراً إعلامياً لكل شخص يحتاج أن يتحدث في يوم من الأيام عن تجربته الأدبية، مبيناً أنها ساهمت في صناعة العديد من الأسماء من الكُتّاب والمؤلفين، ومواقع التواصل الاجتماعي زادت من أعداد القراء وتأثيرها إيجابي، وذلك من خلال مشاهير تلك المواقع الذين لهم كتب، مشيراً إلى أن اهتمامات الشباب بالمركز الأول لكُتب مؤلفيها مشاهير في تلك المواقع. عزوف وابتعاد وتحدث عبدالله القرقاح -ناقد أدبي- قائلاً: يجب على الكُتاب من كبار السن أن يصلوا بكتبهم لذائقة الشباب، أو من خلال أقرانهم من المؤلفين الشباب، ما لم يشاهد الشاب أمامه نماذج من القرّاء يشبهونه في مرحلته العمرية، مضيفاً أنه من المهم خلق بيئة مناسبة للقراءة من خلال توفر الكتاب، وأماكن القراءة، وانخفاض أسعار الكتاب، وكذلك وجود عدد من البرامج والمسابقات المحفزة للقراءة، مبيناً أننا نستطيع أن نصنع من الشاب قارئاً جيداً من خلال توفير المحتوى المتنوع وعدم تحديد مجالات القراءة للشاب، وكذلك عدم حصر نوع معين من الكتب بحيث أن يترك له الاختيار في القراءات، لكي يتطور مع الوقت وسيجد ضالته وتوجهه لأي نوع من الكتب. وأشار إلى أنه حصل عزوف وابتعاد من الشباب عن الكتب؛ وذلك لقلة الوعي وعدم الاهتمام بالشباب، ولكن في الخمس أعوام الماضية عادوا للكتب بشكل كبير جداً، وذلك بفضل الثورة الهائلة في التقنية ووجود مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تجعل من العالم قرية صغير يمكن توعيتهم فكرياً، وإقامة مثل هذه المعارض والترويج لها من خلال تلك المواقع. محتوى مناسب وأوضح معجب الشمري -مؤلف شاب- أن بعض دور النشر سعت في بادرة تعتبر جيدة إلى البحث عن محتوى مناسب للشباب يخاطب عقولهم واهتماماتهم وأفكارهم، سواء بكتب الروايات أو القصص القصيرة مثلاً، مضيفاً أنه يختلف الشباب في ميولهم بدون شك، ويصعب تحديد نوع واحد من الكتب يجذب اهتماماتهم، مبيناً أن من الشباب من يجذبه الكتاب الشرعي، ومنهم من يحب الكتاب الأدبي سواء كان روائياً أو شعراً فصيحاً أو نثراً، ومنهم من اهتماماته منصبه على الكتاب السياسي، وكذلك منهم من يهتم بالقصة القصيرة، والبعض يجد نفسه في كتب الفلسفة وتطوير الذات، مشيراً إلى أن الشاب إن لم يجرفه ميوله حتماً سيجذبه الفضول وحب الإطلاع. د. عبدالرحمن العاصم حمد البكر عبدالرحمن المبرد عبدالله القرقاح معجب الشمري