عبدالمجيد العازمي): يُعد معرض الرياض الدولي للكتاب ثاني أكبر تجمع بشري في السعودية بعد مهرجان التراث والثقافة بالجنادرية. وفي حين أن الأخير يجذب الزوار لمشاهدة إرث الأجداد؛ فقد ساهم التنوع بين الماضي الجميل الممزوج بقوالب إبداعية من الحاضر في جلب آلاف الزوار، فقد أبهر الحضور الكثيف لمعرض الكتاب المراقبين؛ لأن الموقع لا يضم سوى أرفف وكتب وندوات مصاحبة، حضورها لا يتجاوز الصفوف الثلاثة الأمامية. وقالت وزارة الثقافة والإعلام إن المعرض شهد هذا العام تطورًا ملحوظًا في مجال خدمات الاستعلام، والتسوق الإلكتروني، وزيادة عدد منصات التوقيع، إضافة إلى الفعاليات الثقافية التي تلبي احتياجات الأسرة والشباب والطفل، والندوات وورش العمل المصاحبة. وتشارك في معرض هذا العام 915 دار نشر وتوكيلاً، من 29 دولة عربية وأجنبية، ويستمر 10 أيام، وتبلغ مساحته 23 ألف متر مربع.
وتختزن ذاكرة الطالب ثامر القحطاني كل ما يخص المجال الرياضي من جداول مباريات كرة القدم، وإحصاءات الدوري السعودي وأبطاله، وأهم الأهداف، ورصيد النقاط لكل ناد، وقصص اللاعبين مع أنديتهم، وأسماء المدربين السعوديين والأجانب، كما تختزن ذاكرته الشيء نفسه بالنسبة للدوري الإسباني والإيطالي والإنجليزي وبعض الدول الخليجية والعربية، بيد أنه لا يعلم هو وبعض أصحابه أن هناك معرضاً دولياً سنوياً للكتاب، يُقام في العاصمة السعودية "الرياض"، وأن هذا المعرض تم افتتاحه.
ويعترف "ثامر"، الذي يدرس في جامعة الملك سعود، بأنه لا يحب القراءة الحرة، وتحديداً قراءة الكتب، وأنه غير معتاد عليها، مشيراً إلى أن اهتماماته رياضية فنية بحتة. مضيفاً بالقول: "لست شاذاً عن زملائي؛ فهم أيضاً لا تستهويهم قراءة الكتب الثقافية كثيراً، باستثناء الكتب الدراسية التي نقرؤها مجبرين استعداداً للاختبارات". وأضاف "ربما أقرأ صحيفة ما إذا وجدتها أمامي مصادفة؛ إذ إنني لا أهوى شراء الصحف، وتجذبني فيها بعض الأخبار الرياضية أو أخبار الحوادث التي تلفت عناوينها انتباهي".
وكشف تقرير صادر عن برنامج الأممالمتحدة الإنمائي عن تبوُّؤ السعودية المرتبة ال119 من حيث معدلات القراءة بين شعوب العالم، وكشفت دراسة محلية أن 33 في المائة من أفراد المجتمع السعودي يتخذون من القراءة الحرة نشاطاً يومياً، وأن أكثر من 17 في المائة يمارسونها مرة واحدة كل يومين، مشيرة إلى أن "نسبة من يمارسون القراءة الحرة بشكل يومي من الذكور تفوق كثيراً نسب من يمارسونها من الإناث"، موضحة أن "هذه النتيجة متماشية مع المجتمع السعودي، الذي ترتفع فيه نسبة الأمية لدى الإناث مقارنة بالذكور".
وأشارت الدراسة التي حملت عنوان ''اتجاهات القراءة الحرة في السعودية'' إلى تميز الذكور بالمنافسة والمباهاة في شراء الكتب بنسبة أكثر من الإناث، وقالت إن هذا يرتبط بظروف المجتمع السعودي؛ إذ تتاح للذكور فرصة الخروج والالتقاء بالزملاء أكثر من الإناث. ويقضي 68 في المائة من المواطنين أكثر من 10 دقائق في قراءة المطبوعات الورقية من صحف ومجلات وكتب وقصص وروايات، بينما يقضي 75 في المائة منهم أكثر من عشر دقائق في قراءة النصوص الإلكترونية.
من جانبهم، يرى مثقفون أن مبيعات معرض الرياض للكتاب لا تشير إلى تنامي درجة الثقافة في المجتمع السعودي، مؤكدين أن نسبة تصل إلى 50 في المائة من زوار المعرض يتجولون فيه من باب المباهاة وإضاعة الوقت في زيارة المعرض، والاطلاع على أركانه، والحصول على الهدايا التي توزعها بعض الأجنحة على الزوار، وليس لشراء عناوين كتب بعينها. وبلغت مبيعات معرض الكتاب 71.5 مليون ريال في 2013، بينما بلغ عدد زواره نحو 2.4 مليون زائر في 10 أيام، وفقاً لإحصائيات إدارة المعرض. ويُتوقع أن ترتفع مبيعات المعرض هذا العام، نظراً لارتفاع عدد الدول المشاركة.
ويقول الشاعر عبد المحسن الخالدي إن اقتناء الكتب في السعودية لا يخلو من مباهاة واستعراض أمام الآخرين، خاصة إذا كانت الكتب لمؤلفين محليين معروفين، أمثال عبدالله الغذامي، تركي الحمد وسعيد السريحي، مقراً بأن المبيعات والزوار يشهدون تنامياً عاماً بعد آخر، لكن ذلك يبقى دون المستوى مقارنة بدول أخرى عربية، تقيم معارض للكتاب كل عام، وتتهافت عليها الدول لعرض مؤلفاتها.
ويضيف "الخالدي" بأن جزءاً كبيراً من الشباب من زوار المعرض ليس لديهم ثقافة التسوق في معارض الكتاب، فتجدهم يسألون فقط عن سعر الكتاب أمامهم، ثم يذهبون إلى حال سبيلهم، ولا يفكر أحدهم في الاطلاع على ملخص الكتاب، أو يسأل عن مضمونه ومؤلفه، وهذا يؤكد أن لا نية لهم في شراء الكتب.
وفي المقابل، نجح معرض الرياض الدولي للكتاب في اجتذاب أعداد من خارج العاصمة. ويقول خالد اليامي من المنطقة الشرقية: "أسكن في المنطقة الشرقية، وحرصت على المجيء لحضور المعرض، وحضور بعض الندوات والمحاضرات التي تقام في أروقته".
ويضيف اليامي: "جيل الشباب في السعودية وغيرها من الدول العربية لم يعد يهتم بالقراءة الحرة إلا ما ندر، بفعل وسائل التواصل الحديثة التي قد توفر ملخصات أو مقتطفات من بعض مؤلفات المثقفين". مؤكداً أن "قراءة الكتب الثقافية تتجه إلى أن تكون شيئاً من الماضي، وحلت محلها قراءة مواقع الصحف، بالتركيز على أخبار الفنانين واللاعبين ونجوم المجتمع؛ وهذا ما يجعلنا نستشعر الخطر في ثقافة الجيل المقبل".