د. فهد شرف آل شرف التحصيل الدراسي محور رئيس يكاد يكون الأول من حيث الأهمية في وزارة التعليم، حيث تسعى الوزارة لرفع مستوى تحصيل الطلبة من خلال كثير من البرامج والأنشطة التي تقدم لهذا الغرض، إلا إنه ما يجب أن يحظى بالاهتمام المضاعف هي أدوات القياس المستخدمة التي يمكن من خلالها الوقوف على حقيقة المستوى التحصيلي قبل اتخاذ أي إجراء، وأعني بذلك الاختبارات المدرسية غير المقننة من إعداد المعلم أو المعلمة كإحدى أبرز أدوات القياس المستخدمة، والتي يفترض أن تتميز بخصائص سيكومترية جيدة، فثبات وصدق الأداة مؤشر هام للاطمئنان لنتيجتها، وهذا ربما ما لا يتوفر بشكل كاف في الاختبارات المدرسية من إعداد المعلم أو المعلمة، فعلى سبيل المثال حين يحصل مجموعة من الطلبة على درجات محددة في اختبار تحصيلي من إعداد معلم أو معلمة ما في مدرسة ما لا يمكن الجزم أن ذات الطلبة سيحصلون على نفس درجاتهم فيما لو تعرضوا لاختبار آخر يقيس نفس المحتوى ولكن من إعداد معلم أو معلمة في مدرسة أخرى، وهنا مكمن الخطورة في تقييم مستوى تحصيل الطلبة والحكم على قدراتهم، فتارة ربما يكون الحكم عليه أنه مرتفع وتارة أخرى منخفض، ووفق هذا السياق يتم تصنيف المدارس وربما تكريمها أيضاً. وفي لمحة سريعة حول هذه الاختبارات وطريقة إعدادها نجد أنها تُبنى وفق إمكانية وقدرات المعلمين والمعلمات فيما يخص بناء الأسئلة الجيدة، كما إنهم ينتهجون في تحليل مفرداتها والتحقق من صلاحيتها الأسلوب القائم على فلسفة القياس التقليدي أو ما يسمى النظرية الكلاسيكية في القياس، التي يؤخذ عليها عدم تحقيق موضوعية القياس بدرجة كافية، والنظرية الكلاسيكية في القياس تركز على أخطاء القياس التي يمكن معرفتها من خلال الفرق بين درجة الطالب أو الطالبة الملاحظة والدرجة الحقيقة لهم، حيث تتكون كل درجة ملاحظة يفرزها الاختبار التحصيلي من مكونين هما الدرجة الحقيقة ودرجة الخطأ والتي يفترض أن تكون في أقل قيمة لها لكي تقترب الدرجة الملاحظة من الدرجة الحقيقة للطالب والطالبة، إلا أنه في واقع الميدان غالباً ما تكون درجة الخطأ مرتفعة سلباً أو إيجاباً لظروف عدة، أي إنه هناك ارتفاع مبالغ فيه في الدرجة يفوق القدرة الفعلية أو انخفاض مبالغ فيه يقل عن القدرة الفعلية، حيث إن الدرجات الملاحظة للطلبة تتأثر بعدد كبير من العوامل مثل الوقت ونمط الأسئلة وخصائصها السيكومترية وطريقة التصحيح واختلاف الظروف الفيزيقية وغيرها، ومن هنا يتبادر التساؤل حول كيفية تقدير أخطاء القياس بشكل يتسم بالدقة ومن ثم تقدير قدرة الطالب أو الطالبة الفعلية ومستواهم التحصيلي بشكل أفضل؟. إن القياس الموضوعي يجب أن يكون هو الهدف الأول لوزارة التعليم لكي تقف على حقيقة التحصيل، ولكي يتحقق ذلك القياس الموضوعي فهناك كثير من العمل لتغيير فلسفة القياس والانتقال قدر الإمكان إلى الفلسفة الحديثة للقياس أو ما يسمى بنظرية استجابة المفردة (IRT ) التي استطاعت تقدير خطأ القياس بشكل أكثر دقة وبالتالي تقدير قدرة الطالب بشكل أفضل، كما إنها وفرت مستوى مرتفع من الموضوعية يمكن الوثوق به وبالتالي الوثوق بالقرارات التي يتم اتخاذها بناء على ذلك، وهذا ما جعل بعض الدول تعتمد على أسس ومبادئ النظرية الحديثة للقياس (IRT) كبديل يضمن جودة الاختبار وموضوعيته، والسؤال المطروح كيف يمكن أن نبدأ الخطوة الأول "الجادة" نحو هذا الاتجاه؟ أظن أن الأمر يحتاج لمزيد من العمل لتغيير الفكر السائد في بناء الاختبارات أولاً، كما إنه على مطوري الاختبارات في وزارة التعليم العمل على زيادة التأهيل والتدريب في هذا الجانب، وإعادة طرح فكرة بنوك الاسئلة المركزية التي تبنى في غالبها وفق النظرية الحديثة للقياس ( IRT )، وإعادة النظر في آلية التصحيح وموضوعيته، حينها فقط يمكن الاطمئنان لأي قرار يمكن أن يتخذ استنادا على نتائج الاختبارات التحصيلية ومن ثم قبول تصنيف واقع التحصيل في مدرسة ما دون أخرى أو منطقة تعليمية مقارنة بغيرها.