نصح الشاعر للمتلقي والعمل على إيصال قول هادف والانتفاع به؛ يعتبر مسؤولية يحس بها كل شاعر وتعد هاجسه الذي يعمل على تحقيقه ولو بعد حين، وهو شعور يحس به باعتباره يملك وسيلة تعبير مؤثرة، لها مريدون وعليها إقبال ومن خصائصها الانتشار أكثر من انتشار الأقوال العابرة التي يتداولها الناس ثم تنسى، لذا يعرف الشاعر من خلال هذا الإحساس والشعور أن المسألة ليست استعراض موهبة ومهارة وجني ربح عاجل هو الثناء والمديح والإشادة، فكل هذا وإن كان تروق له إلا أنها مع تكرارها والحصول عليها والوصول إليها تفقد عذوبتها وبريقها والانبهار بها؛ ويعود إلى واجبه الفعلي الذي جزء منه قيامه بقيادة فكرية نحو الأفضل وتوجيه وتقديم النصيحة والمشورة على شكل أبيات متناثرة أو قصائد منظومة مختارة موجهة وبحسب كل مناسبة، ولكن لكل شاعر اهتمامه، فبعضهم يوجه نصحه في مجال التربية والاهتمام بالولد وتنشئته وتدريبه على الشجاعة وطيب السجايا والخصال، ومن الشعراء من يهتم بالجانب الديني والمحافظة على القيم، وبعض الشعراء يضمن قصيدته خلاصة تجارب عن العلاقات والجوار وصيانة الأوطان وحفظ الديار، ومنهم من يوضح طرق الكسب والتجارة والاستغناء عن الآخرين والاكتفاء الذاتي أو يحث على النباهة والفطنة ..الخ وهذا التنوع نابع من اهتمام كل شاعر بجانب يراه أهم من غيره وأكثر ضرورة، ولا يحدوهم إلى ذلك فراغ أو مجرد نظم قصيدة، بل يدفعهم حب نفع المتلقي وإضافة فائدة له، لذا لا تجد شاعرا خلا شعره من هذا الجانب تماما، ولكن بعضهم يؤخر وبعضهم يقدم بحسب هيمنة المؤثر الداخلي الذي يشعر به. وكنموذج سوف نختار قصيدتين لشاعرين من جيلين مختلفين الأول الشاعر عبدالله الطلحي الهذلي فهو شاعر متمكن له قصائد كثيرة ومتنوعة، ولكن نختار هنا قصيدته في جانب الصلة والتقارب وحفظ العلاقات والمودة حيث يقول: لا تقطع ارحامك ويشملك الوعيد ولا تخسر الغالي ولا ترخص غلاه واخوك لا تخسره لو انه عنيد يخطي مية مرة وتسمح له خطاه وان كان شد الحبل حاول ما تزيد ارخيه قبل الشد يوصل منتهاه ولا تنصحه وقت الزعل ما يستفيد واعرض عليه النصح في ساعة رضاه وليا طلب رايك عطه راي سديد وان ما طلبك الراي لا تبحث خفاه واعرف ترى قرب المنازل ما يفيد واحيان يبدي شي ما ودك تراه لكن لا تقرب ولا تنزل بعيد خلك على قول المثل حذفة عصاه واحفظ حبال الود حفظك للوريد اللي معلق فيه موتك والحياه ترى الاخو مهما حصل يبقى عضيد وترى عيال العم ما عنهم غناه الناس دايم ما تهاب اللي وحيد اللي ليا منه وقف محد معاه أما الشاعر الآخر فهو الشاعر إبراهيم بن عبدالله بن جعيثن، له العديد من القصائد في جوانب متعددة ولكن نورد هنا ما خصصه حول المرأة ويعني تكوين أسرة على أساس طيب حيث يقول: ألا ياشاريٍ مني نصيحة نصيحة صاحبٍ عدلٍ موالي ولا يبغى جزاه الا من الله خذوها يالرجال بها المجالي إلى صار الضحى والسوق خالي وضاق من الغثا والهم بالي ولا عندي نديمٍ اشتكي له يوسع خاطري الا دلالي وساعاتٍ أنا ويا الحليلة أبين عندها شٍ من حوالي لقيت البيض ما منهن مسرة الى صرتا من المنقوش خالي بعضهن تلحق الحمى مليلة تحطك بالسموم عن الظلالي وفيهن من توريه المروفة وهي من داخلٍ تصلاه صالي تجي هي والدهر عونٍ عليه تبوق من القليل ولاتبالي إلى أن يقول: وفيهن من على الشدة تصبر ولو عنها تغرب للشمالي وفيهن من تكوش عند وجهه ولا تصخي لجارة بالخلالي عسى هاذيك ما يصلح نماها ولا تسترّ بسعود الليالي